تحوّل حفل الفنان محمد رمضان بشاطئ الساحل الشمالي إلى مشهد مأساوي صباح يوم الجمعة، عندما تسبب انفجار ألعاب نارية في وفاة شخص وتأذي آخرين، فيما خرج تنظيم الحفل والمسؤول عن الألعاب النارية بتصريحات نافية لتورط إرهابي، وكشفوا أن الانفجار ناتج عن خطأ تقني. فما تفاصيل الحادث، وهل يمكن اعتباره عملًا إرهابيًا؟.
بينما تزداد الحفلات الفنية والموسيقية في مصر زخمًا في موسم الصيف، خاصة في المدن الساحلية مثل الساحل الشمالي والعلمين الجديدة، يزداد معها الاهتمام الأمني بشكل ملحوظ، إلا أن هذا يأتي غالبًا على حساب عنصر لا يقل أهمية: بروتوكولات السلامة العامة. الحادثة الأخيرة في حفل الفنان محمد رمضان، حيث لقي أحد العاملين مصرعه وأُصيب آخرون بانفجار ألعاب نارية، فتحت باب النقاش حول ازدواجية معايير التنظيم: أمن قوي مقابل تدبير سلامة هش.
موسم صاخب بخطر متصاعد
منذ عام 2021، ارتفعت وتيرة تنظيم الحفلات الموسيقية والمهرجانات الكبرى، خاصة في موسم الصيف، حيث يتوافد الفنانون من مصر والعالم العربي إلى منصات ضخمة أمام آلاف الجماهير. لكن مع هذا الازدهار، بدأت سلسلة من الحوادث المؤلمة تعكس هشاشة منظومة السلامة مقارنة بالصرامة الأمنية.
في حين تحرص الجهات المنظمة بالتعاون مع الأمن الوطني على تفتيش الحضور ورصد "التهديدات المحتملة"، تغيب بوضوح معايير الحماية المدنية، سلامة الأجهزة، والتدريب على الإخلاء، ما يطرح تساؤلًا جوهريًا: من يحمي الجمهور من الإهمال وليس من الإرهاب فقط؟
وأثناء الحفل الصاخب الذي أقيم في بورتو جولف مارينا لمحمد رمضان، تعرض المسرح لانفجار جزئي سببه خلل في الألعاب النارية، مما تسبب في وفاة أحد الفنيين (حسام عبد القوي) وإصابة آخرين بجراح بليغة، بينهم إصابات في المخ.
ورغم التواجد الأمني الكثيف، لم تكن هناك منظومة إخلاء واضحة، ولا أدوات إطفاء حرائق جاهزة، ولا عمال مدرَّبون على التعامل مع مثل هذه الحالات.
هذا الحدث الجلل كشف عجز المنظومة عن توفير أبسط قواعد السلامة التي تتطلبها التجمعات البشرية الكبرى.
وفق أول تقرير إعلامي مستقل، وقع الانفجار نتيجة تسرب أنبوب هواء خاص بعرض الألعاب النارية أثناء إعداد الفعالية لمقطع الرياضضيات الجوية. تسبب ذلك في انفجار مفاجئ أدى إلى وقوع حادث عرضي مأساوي أدى إلى وفاة عنصر أمن وإصابة 6 آخرين بجروح متفاوتة.
الأمن حاضر دائمًا... السلامة متغيبّة دائمًا
شهدت معظم الحفلات خلال السنوات الأخيرة مبالغة في الإجراءات الأمنية، بدءًا من الحواجز المعدنية، وكاميرات المراقبة، وتفتيش الهواتف الشخصية، وحتى حضور عناصر من الأمن الوطني بزي مدني.
لكن، على النقيض، لا تتوفر دائمًا:
- فرق إسعاف ميدانية متخصصة.
- منافذ إخلاء في حال الكوارث.
- فحص دوري للأجهزة النارية أو الصوتية.
- تدريب للعاملين على إرشاد الجماهير حال الطوارئ.
ويبدو أن "التهديد الأمني المحتمل" بات أولوية تفوق "الخطر القائم" الناجم عن الإهمال التنظيمي أو التقني.
شهادات من الداخل: عاملون يروون حجم الإهمال
أحد الفنيين العاملين في تنظيم حفلات الساحل الشمالي صرّح قائلًا: "يتم التنبيه علينا دائمًا بالامتثال الكامل للتعليمات الأمنية، بينما نركب معدات كهربائية دون اختبار مسبق. لا أحد يسأل: هل سيتحمل السقف هذا النوع من الأجهزة؟ أو: هل يوجد جهاز إطفاء قريب؟ المهم ألا يدخل أحد بكاميرا!"
عامل آخر في مجال الإضاءة قال: "بعض المولدات المستخدمة قديمة ومهترئة، ونضطر أحيانًا لتمرير كابلات فوق مسارات الجمهور، في مخالفة صريحة لأبسط معايير السلامة."
وبحسب رواية محمد رمضان، حذف لاحقًا منشورًا كان وصف فيه الحادث محاولة اغتيال، وهو ما نفاه منظم الحفل، موضحًا أن السبب فني وليس إرهابيًا.
لجنة التحقيق المحلية اعتبرت الحادث "حادث موقف عرضي"، ناتج عن خلل في معدات اللاعبين الجوية وليس ناتج عن تفجير متعمد أو شبهة إرهابية.
تم توقيف مسؤول الألعاب النارية (محمد وزة) مؤقتًا للتحقيق، لكنه أُفرج عنه لاحقًا دون توجيه تهمة متعلقة بالإرهاب، ما يعزز فرضية عدم وجود نية جنائية إرهابية بقيّة.
ولا توجد أي ادعاءات بأن منفذ انفجار تفجيري يخص جماعة مسلحة أو تنظيمات تعبّد، أو خطوط تصعيد سياسي.
كما أن الفيديوهات المصوّرة تشير إلى تراكم ضغط عرض الألعاب بسبب الانفعال الجماهيري، وليس صوت تفجير مدوٍ يشبه الهجوم المنفصل. اللافت أن المنظمين نفوا أي تكتيك إرهابي، وأن الحادث وقع في توقيت عرض وليس أثناء تواجد الفنان على المسرح.
وقال أحد الحضور: "فجأة انفجر شيء قرب المسرح... كان عادي نسمعه صوت ألعاب، لكن الانفجار كان قوي، ورأيت دخانًا بس سريع هدأ."
قنوات الفيسبوك نشرت تقارير تقتبس الرواية الرسمية: سبب الانفجار أنبوب هواء غير معتمد لمعايير السلامة، لا عبث أو قنبلة مخبأة، ولم يُسمع إطلاق نار أو شعور بالخوف كأن حفلًا عادي تعرّض لهجوم.
من خلال الوقائع الأساسية:لا شواهد على نية أو علاقة بتنظيمات إرهابية. ولم يُكشف عن ما يشير إلى جهاز تفجير، بل إنه خلل ميكانيكي.كما أن الأجهزة الرسمية لم تُدرج الحادث في قوائم الإرهاب، بل اعتبرته حادثًا عرضيًا. بناءً عليه، يمكن القول إن الحادث ليس إرهابيًا موجهًا، بل خطأ تقني في إكسسوارات العرض الجوي.
رغم الجدل الذي أثارته، فإن محمد رمضان هاجم الانتقادات أولًا، ثم حذف منشورًا ذكّر فيه بـ"محاولة اغتيال"، ليعود بسرعة للتركيز على عرض مستقبلي.
المعروف أن رمضان دائمًا في ميدان الجدل، لكن هذا الحادث فتح تساؤلات حول معايير السلامة في الحفلات الكبرى، ولاسيما التنظيم الفني للألعاب النارية.
نماذج من حوادث مشابهة:
حفل في العين السخنة (2023): اشتعال جهاز صوت وانقطاع كهربائي مفاجئ أدى لإصابة 4 أشخاص.
حفل شعبي في المنوفية (2024): انهيار مؤقت لجزء من المسرح المعدني بسبب حمل زائد، وإصابة طفل بكسر في العمود الفقري.
حفل "ميجا بيتش" في مارينا (2022): سقوط لعبة نارية على منصة "DJ"، وكادت تصيب فنانًا شهيرًا.
ورغم ذلك، لم يتم الإعلان عن تحقيقات موسعة أو إيقاف رخصة أي من منظمي هذه الحفلات.
أين أجهزة الدولة؟ ولماذا لا تُطبق اللوائح بصرامة؟
وفقًا للائحة الحماية المدنية الصادرة عن وزارة الداخلية، فإن أي تجمع جماهيري يتجاوز 500 فرد يجب أن:
- يحصل على شهادة صلاحية من الدفاع المدني.
- يثبت وجود منافذ إخلاء واضحة.
- يوفّر وسائل إطفاء مرخصة ومطابقة للمواصفات.
لكن في الواقع، يتم تجاوز هذه الشروط مقابل تسهيلات للمنظمين الكبار، وغالبًا ما تُستبدل الرقابة الفنية برقابة أمنية.
ويرى الخبير الإداري ممدوح الولي أن: "المشكلة في مصر أن الأمن له كلمة الفصل في كل شيء، بينما الجهات الأخرى مجرد ديكور. نحن أمام دولة تؤمن بالحراسة لا بالحماية، تراقب الناس لكنها لا تحميهم."
ماذا يقول القانون؟ ومن يتحمل المسؤولية؟
يحمّل القانون المصري مسؤولية سلامة الجمهور في الفعاليات للمنظم أولًا، تليه الجهات التي منحت التصاريح، بما في ذلك الحماية المدنية والأحياء. لكن في الحوادث السابقة لم تتم محاسبة أحد بشكل واضح، ما يجعل ثقافة الإفلات من العقاب سببًا أساسيًا في تكرار المآسي.
الحادث الذي وقع في حفل محمد رمضان بالساحل الشمالي هو مأساة نتجت عن خطأ فني في معدات الألعاب النارية، وليس عملًا إرهابيًا مخططًا. لم ترد أي أدلة تشير إلى وجود نية تخريبية أو إساءة جماعية، بل إنها حادثة عرضية مأسوية وجّهت الانتباه إلى ثغرات في تنظيم حفلات البث المباشر.
يبقى أن الجهات الرسمية والعاملون في تنظيم الفعاليات الفنية بحاجة إلى مراجعة جادة لبروتوكولات السلامة، وضمان إعمار الثقة مع الجمهور بدلاً من الرهان على تبعات أمنية قد تؤدي إلى تكرار مثل هذه الحوادث.