أكدت حكومة السيسيي، الخميس، استمرار العمل بنظام سعر الصرف المرن، والاستمرار كذلك في تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية، وتنفيذ ما جاء في وثيقة "سياسة ملكية الدولة"، بما يسمح بتوفير موارد إضافية لخفض مديونية أجهزة الموازنة.

وقال محمد الحمصاني، المتحدث باسم مجلس الوزراء ، إنه تم عقد اجتماع المجلس التنسيقي للسياسات المالية والنقدية، الخميس، برئاسة مصطفى مدبولي، رئيس حكومة السيسي، حيث تم التأكيد على أن الحكومة مستمرة في طرح الأصول ضمن خطة سداد مستحقات الشركاء الأجانب بقطاع البترول وفقًا للبرنامج الزمني المحدد.

وفي ظل أزمة نقدية متعمقة ومتزايدة منذ 2022، أعلنت الحكومة المصرية تجديد التزامها بنظام سعر الصرف المرن الذي أُطلق في مارس 2024. هذا النظام جزء من شروط قرض صندوق النقد الدولي البالغ 8 مليارات دولار. في المقابل، واصلت القاهرة برنامج بيع الأصول الحكومية (الخصخصة)، عبر طروحات تشمل شركات البترول والبنوك والمستشفيات. ويقف المعارضون والاقتصاديون، ومن أبرزهم ممدوح الولي، في وجه هذه السياسات، معتبرين أن الدولة تتنازل عن مواردها، وتغرق في تبعية اقتصادية لن تستمر طويلاً.

 

التعويم وتجديد التزام الحكومة بالسعر المرن

في 6 مارس 2024، أعلن البنك المركزي رفع الفائدة 600 نقطة أساس، مع السماح للجنيه بأن يُسعر عبر السوق الحر، مما أحدث تراجعًا حادًا بأكثر من 60% لقيمته أمام الدولار، من نحو 31 جنيهًا إلى فوق 50وقد أعلن البنك المركزي في وقت لاحق تجديد التزامه “التركيز على التضخم” على أساس السعر الشعبي.

المحللون لاحظوا أن المرونة المعلنة لم تُرافق بإجراءات مالية لمحاصرة التضخم أو دعم الطبقات الفقيرة، فارتفعت الأسعار بشكل مدوي.

 

 برنامج بيع الأصول: تنفيذ سريع تحت ضغط القرض

في إطار تنفيذ اتفاق قرض IMF، طبقت الحكومة سياسة خصخصة مكثفة منذ 2022، تستهدف رفع مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد من 30٪ إلى 65٪ في غضون ثلاث سنوات.

 كما استهدفت حكومة 2024–2025 جمع 3.6 مليار دولار عبر بيع حصص في شركات حكومية واستثمار أصول.

تم بيع حصص لشركات بداية مع دولة الإمارات ومنها "أبوظبي ADQ"، وكذلك شركات عقارية وفنادق مصرية كبرى.

لكن الإعلان الرسمي غالبًا تم بمبالغة، إذ عرف بيع أرباح ضئيلة فقط في ظل تراجع الطلب والمخاوف.

 

الأثر الاقتصادي والاجتماعي للسياسات

بحسب المؤسسة Arab Watch Coalition، فإن تعويم الجنيه أدى لتسارع التضخم من 21.9٪ في ديسمبر 2022 إلى نحو 34٪ في أوائل 2024، وارتفاع أسعار الغذاء تجاوز 300٪ لبعض المواد، ما ضاعف الفقر المؤسسي وفقدان القدرة الشرائية للمواطنين.

ويشير تقرير للمؤسسات الدولية إلى أن الإيرادات بالدولار تراجعت عبر التصدير والتحويلات، بينما ازدادت التبعية للديون.

كما نشرت وسائل الإعلام تقريرًا أن الحكومة أنفقت على الخصخصة بدل دعم التعليم والصحة، وأن المستشفيات العامة أصبحت تحت التهجير أو الإهمال.

 

هدر موارد ونهب رمزي

ووصف ممدوح الولي مشروع الخصخصة وتوسعة القناة بأنها "رهان سياسي لا اقتصادي". طرحه قائلاً:  "بيعت شركات بأرباح دولارية مستمرة، لكن الدولة أذعنت لشروط صندوق النقد وخلق تبعية طويلة الأجل."

وأشار إلى أن تعويم الجنيه جعل الحكومة تخفي الأزمة داخل أرقام الجنيه بدل الدولار، ما جعل المواطن يدفع ثمن ذلك.

كما نبه أن تحويل الأصول لشركات خاصة – حتى تلك المرتبطة بالجيش – يعني انتهاكًا للشفافية. لا قيمة فعلية للإصلاحات طالما الإدارة تحتكر الحكم الاقتصادي.

كما يرى محللون أن "الخصخصة اليوم تبيع رايات وطنية بثمن بخس، لأن الدولة تتخلى عن أدوات تنظيم السوق والمصانع التي يمكن أن تكون رافعة إنتاجية لو استُثمرت بشكل صحيح."

وشكا محللون من أن الحكومة تركز فقط على جلب الدولار القصير الأجل دون خطة تنمية مستدام، بينما "الأغنياء يحصلون على شركات مربحة.

 

الخصخصة تُضعف الدولة

بيع أصول ذات عوائد خارجية – مثل شركات البترول، البنوك وقطاع الطاقة – يعني خروج الدولة من مصادر الاستقرار، ودفع الاقتصاد إلى ارتفاع أسعار السوق دون رقابة أو مساومة سياسية.

 

السعر المرن دون حماية للمواطن

تعويم الجنيه كان مطلبًا لصندوق النقد، لكن بدونه أي خطة حماية اجتماعية، ما يعني أن التضخم لا يُقابل بدعم ولا فرض رقابة على الأسعار، وتعويضات محدودة للمعدمين.

 

غياب استراتيجية صناعية وطنية

كل الموارد تُستثمر في مشروعات ضخمة مربحة للسلطة، لكن الحكومة تتجاهل الرؤية التصنيعية المستدامة، كالزراعة والتصدير غير النفطي والصناعات التكنولوجية الخفيفة.

 

محللون يقدمون بدائل للانقاذ منها:

  • إيقاف بيع الأصول الاستراتيجية مؤقتًا، وتحويل الأموال المُتحصلة إلى صناديق تنمية حقيقة عبر وزارة الزراعة والتعليم.
  • إعادة فرض سعر صرف مؤسسي يُسمح له بالتحرك لكنه يكون مدعومًا بضوابط لمنع التلاعب والمضاربة.
  • تخصيص نسبة من حصيلة بيع الأصول لصندوق للضمان الاجتماعي والتأمين الصحي والتعليم.
  • تفعيل قانون محاسبة الدولة ومراجعة دور القطاع العسكري في الاقتصاد، وتحويل الشركات المملوكة للأمن إلى رقابة مدنية مستقلة.

وفي الختام فإن "تجديد التزام مصر بسعر الصرف المرن" ليس مجرد إعلان؛ بل هو تأكيد على استمرار سياسات خاطئة أثقلت حياة الملايين. و"استمرار طرح الأصول" يعكس عقلية تعتمد على بيع الوطن بالتراضي أو تحت الضغط، بينما تزداد الأعباء على الشعب وليس هناك خطة تنموية حقيقية في الأفق.

الكثير من الاقتصاديين الوطنيين يدعون إلى توقّف فوري عن هذا المسار، لأن الدولة بلا أدوات تنظيمية واستثمارية مستقلة هي دولة بلا سيادة اقتصادية. الانتقال إلى اقتصاد خاص ممكّن هو طريق، لكن ليس عبر بيع المؤسسات، بل عبر تأهيلها ورفع إنتاجها عبر خطة وطنية لا برؤية أجنبي.