في مشهد يتكرر فيه الانفصال التام بين تصريحات المسؤولين والواقع الذي يعيشه المواطن المصري، خرج رئيس جهاز حماية المستهلك إبراهيم السجيني يوم الاثنين 29 يوليو 2024، بتصريح صادم ومثير للجدل عبر إحدى حلقات برنامج «المواجهة» على قناة «إكسترا نيوز» الحكومية، قال فيه: "نهدف إلى خفض الأسعار فعليًا حتى يشعر المواطن بنتائج الإصلاح الاقتصادي، خاصة بعد جهود الحكومة في توفير مستلزمات الإنتاج وانخفاض سعر صرف الدولار."

رغم أن التصريح أُطلق بصيغة تفاؤلية، فإن الواقع يشير إلى عكس ذلك تمامًا، حيث لا يشعر المواطن بأي تحسن يُذكر، بل تزداد معاناته يومًا بعد يوم في ظل التضخم المتسارع، وتآكل الدخول، وتدهور الجنيه، وارتفاع الدين العام إلى مستويات غير مسبوقة.

وفي 30 يوليو 2025، أدلى إبراهيم السجيني، رئيس جهاز حماية المستهلك، بعد اجتماع موسع مع الغرفة التجارية بالقاهرة، بتصريحات أكد فيها أن الحكومة تستهدف "خفض أسعار السلع فعليًا ليشعر المواطن بنتائج الإصلاح الاقتصادي"، مستندًا إلى "توفير مستلزمات الإنتاج وانخفاض سعر صرف الدولار" كدليل على إمكانية تخفيض الأسعار.

لكن هذه التصريحات تبدو متناقضة مع واقع يعيشه المواطن المصري، في ظل استمرار ارتفاع أسعار السلع الأساسية والفقر المتزايد، فبينما يؤمن المسئولون أن انخفاض الدولار سيؤدي إلى تراجع الأسعار، يظل المواطن يعيش أزمة داخلية حقيقية لا تنعكس بوادر الحلول على أرض الواقع.

 

تصريح مغاير لواقع

تصريح السجيني ينطلق من فرضية أن أي تراجع في سعر الدولار يجب أن ينعكس فورًا على أسعار المواد الاستهلاكية، إلا أن الواقع يكشف عكس ذلك، فقد شهدت مصر في الشهور الماضية تضخمًا قياسيًا وصل إلى حوالي 40%، مع ارتفاع مستمر واسعار متذبذبة في السلع الغذائية والضرورية.

الفقر في مصر تحت حكم السيسي لم ينخفض بل على العكس تفاقم، وأصبح ملايين المصريين يعانون من تردي مستوى المعيشة وزيادة تكلفة الحياة اليومية، وهو ما تؤكده تقارير عدة ومنظمات حقوقية دولية، ما يجعل هذا التصريح مغايرًا للواقعية هو تجاهله للأزمة النقدية العميقة التي تغذيها عوامل داخلية وخارجية لا تتعلق فقط بسعر الدولار، بل بانكماش اقتصادي وفشل في خلق فرص عمل حقيقية وعلى نطاق واسع.

هذه التصريحات التي أكدها إبراهيم السجيني خلال اجتماع في مقر الغرفة التجارية بالقاهرة، في إطار توجيهات رئيس حكومة الانقلاب وهو الذي يعكس محاولة حكومة الانقلاب الحالية تأكيد نجاح الإصلاحات الاقتصادية، وخصوصًا المبادرة الحكومية الواسعة لخفض الأسعار.

الاجتماع تضمن حضور قيادات تجارية وتموينية بهدف التنسيق بين الدولة والقطاع الخاص لتطبيق خفض الأسعار في الأسواق المحلية وتحقيق توازن في الأسعار.

وبحسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ارتفعت أسعار اللحوم بنسبة 89.5 %، والزيوت بنسبة 63 %، بينما تجاوز سعر كيلو الأرز في بعض المناطق 45 جنيهًا بعد أن كان لا يتجاوز 10 جنيهات قبل 2021.

فأين هي نتائج الإصلاح الاقتصادي التي يتحدث عنها رئيس جهاز حماية المستهلك؟ وكيف يمكن للمواطن أن يلمس انخفاضًا في الأسعار وهو عاجز عن توفير الحد الأدنى من احتياجات أسرته؟

 

حكومة فاشلة واقتصاد منهار

رغم هذه التصريحات الرسمية المتفائلة، فإن المؤشرات الاقتصادية تعكس صورة مختلفة تمامًا، فقد شهد الاقتصاد المصري في عهد السيسي صعوبات متزايدة، أفقدت كثيرًا من المصريين الثقة في قدرة الحكومة على معالجة الأزمات.

نسبة الفقر تزايدت، ووصلت مؤخرًا إلى نحو 30-35%، بينما البطالة ظلت مرتفعة بين الفئات الشابة، مما يدل على هشاشة تعافٍ اقتصادي ملموس.

كما أن تدخلات الجيش في الاقتصاد التي زادت خلال فترة حكم السيسي، والتي أعلن أنها لا تتعدى 2% من الناتج المحلي، لم تكن محفزًا كافيًا للنمو الاقتصادي الحقيقي أو خلق فرص عمل مستدامة.

الاقتصاد يعاني من أزمة عملة حادة، حيث تجاوز سعر صرف الدولار في السوق السوداء مستوى الضعف مقارنة بالسعر الرسمي، وهو ما يفاقم من أعباء الاستيراد وارتفاع أسعار السلع الأساسية والوقود والطاقة.

الاقتصاديون والسياسيون يرون أن سياسات حكومة الانقلاب الحالية تركز على الحفاظ على الاستقرار الأمني، لكنها فشلت في توفير الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

فقد وصف خبراء ونشطاء الاقتصاد أزمة السلع المختلطة والسياسات التقشفية بأنها تعمّق من الأزمة الاقتصادية، خاصة مع غياب الحريات السياسية وحرية التعبير التي تمنع النقاش الحقيقي حول الحلول الاقتصادية.

خبراء الاقتصاد مثل الدكتور عبد العزيز السيد، رئيس شعبة الدواجن، وصفوا بعض الانخفاضات في أسعار المنتجات مثل الدواجن كـ "مؤشرات محدودة ولم تشمل جميع القطاعات"، مؤكدين أن استمرار هذه الانخفاضات يحتاج إلى تدابير هيكلية تتجاوز المبادرات الحكومية المؤقتة.

على الجانب السياسي، تقارير دولية ومنظمات حقوق الإنسان مثل هيومن رايتس ووتش، انتقدت نظام السيسي بشدة بسبب القمع والانتهاكات، مؤكدين أن هذه الأوضاع السياسية تزداد سوءًا ولا تساعد في توفير بيئة ملائمة لنمو اقتصادي متين.

وفي سياق آخر، يرى محللون أن سياسة السيسي التي تعتمد على قمع المعارضة وتقليص الحريات لم تنتج سوى أزمة ثقة اجتماعية وسياسية كبيرة، فضلاً عن أزمة اقتصادية تستمر في التفاقم، مما يجعل الحديث عن "تحسن حقيقي في القوة الشرائية" مجرد شعار مفرغ من المضمون.

التصريح المثير للجدل من رئيس جهاز حماية المستهلك هو دليل على مدى الجهل أو التجاهل الذي يمارسه مسؤولو الدولة، بدلًا من الاعتراف بالفشل والبحث عن حلول واقعية، يواصل المسؤولون إطلاق تصريحات لا تتفق مع أبسط معايير المنطق.