نشرت وكالة "الشرق بلومبيرج" في 30 يوليو 2025 تقريرًا صادمًا أظهر انخفاض مشتريات المصريين من السبائك والعملات الذهبية بنسبة 23 % خلال النصف الأول من العام الحالي مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وأرجع التقرير هذا التراجع إلى تدهور القوة الشرائية للمصريين بفعل التضخم وارتفاع الأسعار وانهيار قيمة الجنيه أمام الدولار، ما جعل شراء الذهب رفاهية يصعب الوصول إليها حتى للميسورين.
هذا الانخفاض يأتي في وقت كان فيه المصريون قد لجأوا إلى الذهب كملاذ آمن في ظل الأزمات المالية المتكررة، مما يثير تساؤلات حقيقية حول عمق الأزمة الاقتصادية ومدى قدرة المواطن على النجاة من ضغوط يومية متصاعدة.
التقرير استند إلى بيانات "مجلس الذهب العالمي"، الذي أوضح أن حجم المشتريات انخفض إلى 5.6 طن فقط مقارنة بـ 7.3 أطنان في نفس الفترة من العام الماضي.
ويرى خبراء الاقتصاد أن هذه الأرقام تعكس بشكل واضح فقدان الطبقة المتوسطة والفقيرة للقدرة على الادخار أو حماية مدخراتها عبر الذهب، الذي كان يمثل "ملاذًا تقليديًا" للمصريين في وجه التضخم وفقدان قيمة الجنيه.
الجنيه المنهار وغلاء غير مسبوق
في ظل حكم السيسي، تدهورت قيمة الجنيه المصري بشكل متسارع، حيث وصل سعر صرف الدولار في السوق الموازية إلى أكثر من 60 جنيهًا في يوليو 2025، مقارنة بـ 7 جنيهات فقط عام 2013، وهو ما أدى إلى موجات غلاء متتالية طالت السلع الأساسية قبل الكمالية.
ويرى الخبير الاقتصادي د. مصطفى شاهين أن التراجع في مشتريات الذهب "ليس اختيارًا بل اضطرارًا"، ويعكس أن "المواطن لم يعد يملك فائضًا من دخله لادخار الذهب، بل بالكاد يستطيع شراء احتياجاته اليومية".
كما أشار المركز المصري للدراسات الاقتصادية إلى أن نحو 70% من المصريين باتوا تحت خط الفقر الحقيقي وفقًا لمعايير الإنفاق الشهري للأسرة.
أسباب التراجع في شراء الذهب والعملات
يشير تقرير "الشرق بلومبيرج" إلى أن الأسباب الرئيسية وراء التراجع الكبير في مشتريات الذهب هي:
- الارتفاع الحاد في أسعار الذهب محلياً نتيجة تدهور الجنيه.
- ارتفاع الرسوم والضرائب المفروضة على تداول الذهب والسبائك.
- القيود المفروضة على الاستيراد، ما أدى إلى شُح المعروض وزيادة الأسعار.
- تراجع دخول الأفراد وعدم قدرتهم على الادخار أو الاستثمار.
- تدهور الثقة العامة في النظام الاقتصادي وغياب السياسات الشفافة.
يقول الخبير الاقتصادي هاني توفيق: "حين يفقد الناس القدرة على شراء الذهب، فهذا مؤشر خطير على تآكل الطبقة الوسطى وتحولها إلى طبقة فقيرة أو معدمة، وهي الطبقة التي تمثل العمود الفقري لأي اقتصاد".
المواطن في مأزق.. تآكل المدخرات
المواطن المصري، الذي اعتاد اللجوء للذهب أو الدولار لحماية مدخراته، بات اليوم عاجزًا عن الادخار من الأساس، وقال المحامي الحقوقي خالد علي في تصريح له عبر حسابه على منصة "إكس" إن "الدولة تُجهز على الطبقة المتوسطة وتدفع الفقراء نحو الانهيار، لا وجود لأي أفق لتحسين الوضع الاقتصادي في ظل منظومة عسكرية لا تؤمن بالشفافية أو الكفاءة".
كما صرح النقابي ممدوح إسماعيل بأن "التدهور الاقتصادي غير مسبوق، والعامل المصري بات عاجزًا عن توفير علاج أبنائه، ناهيك عن الادخار أو الاستثمار".
تقارير بلومبيرغ: السيسي مسؤول عن تدمير الاقتصاد
حملت تقارير اقتصادية دولية مثل وكالة "بلومبيرغ" قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي المسؤولية المباشرة عن تفاقم الأزمة الاقتصادية في مصر.
تقرير بلومبيرغ الصادر في مارس 2018 وصف الاقتصاد المصري بالغارق في الركود مع ارتفاع حاد في معدلات البطالة والتضخم، مؤكدًا أن الأموال التي حصلت عليها الحكومة المصرية من الصناديق الدولية والخليجية لم تُنفق بطريقة فعّالة ولم تساهم في تحسين الأوضاع المعيشية.
وأضاف التقرير أن الاقتصاد يعاني من احتكار صناعي وعسكري واسع، وإهدار للموارد، وغياب الإصلاح الحقيقي اللازم لكسر حلقات الفقر والبطالة والاستثمار السيئ.
ودعت بلومبيرغ إلى ضرورة فتح المجال للمجتمع المدني وإجراء انتخابات حرة ونزيهة لإحداث التغيير المطلوب
صمت حكومي وتبريرات متكررة
رغم كل المؤشرات السلبية، تستمر الحكومة في تقديم تبريرات مكررة حول "الإصلاح الاقتصادي" و"الظروف العالمية"، إلا أن المواطن، الذي يرى الأسعار ترتفع يومياً واحتياجاته الأساسية تتبخر، لم يعد يقتنع بتلك الروايات.
رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي صرح في يوليو 2025 قائلاً: "مصر ماضية في طريق الإصلاح، ولدينا رؤية واضحة للمستقبل".
لكن الواقع يؤكد أن هذه الرؤية تسير في الاتجاه المعاكس تمامًا لرؤية المواطن العادي.
الهبوط الحاد في مشتريات الذهب لم يكن فقط خبرًا اقتصاديًا، بل هو حال بلد يعيش على حافة الانهيار المالي والمعيشي، وفشل إدارة السيسي في حماية الطبقة الوسطى وتوفير بيئة اقتصادية مستقرة يدفع المواطنين للتخلي حتى عن آخر أدوات النجاة.. الذهب.