في زمن لا تحتمل فيه المجتمعات العربية مزيدًا من التشويه والتبخيس، خرج الفنان المصري صبري فواز بتصريحات أثارت جدلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، بعد أن ألمح في أحد مقاطع الفيديو أو لقاءاته الأخيرة إلى ما أسماه "جهاد النكاح أمام السفارات المصرية"، في سياق تعليق ساخر على المظاهرات المؤيدة لغزة والمناهضة للعدوان الإسرائيلي.

هذا التصريح، الذي رأى فيه البعض "انزلاقًا لفظيًا فجًا"، اعتبره آخرون إساءة صريحة ومقصودة، لا سيما أنه جاء في توقيت حساس، يترافق مع حملة تضامن شعبي غير مسبوقة في الشارع العربي مع الشعب الفلسطيني، وفي ظل مشاهد يومية مروعة من القتل والدمار والتجويع في قطاع غزة.

 

تصعيد لفظي مستفز

جاء تصريح صبري فواز خلال ظهوره في مقطع فيديو أو تدوينة فُهم منها أنه يسخر من بعض المتظاهرين المؤيدين لفلسطين أمام السفارات، مستخدمًا عبارة "جهاد النكاح" التي ارتبطت في المخيال الإعلامي بأكاذيب جرى ترويجها خلال الحروب والصراعات الطائفية، وخاصة في سياقات تهدف إلى شيطنة الحراك الشعبي.

لم يكن تصريح فواز مجرد سقطة لغوية، بل تضمن دلالة مزدوجة، تُحيل إلى استهزاء فج بالمتضامنين مع القضية الفلسطينية، والذين يخرجون للتظاهر دعمًا لضحايا القصف والمجازر. وفي الوقت الذي يعجز فيه الكثيرون عن اتخاذ مواقف سياسية واضحة، خرج فواز بهذا التوصيف الذي وُصف بأنه "سوقي ومهين"، بل و"معادٍ للفلسطينيين والعرب".

 

ردود فعل غاضبة على مواقع التواصل

لم يمر التصريح مرور الكرام. سرعان ما اجتاحت منصات التواصل موجة من الغضب الشعبي، حيث عبّر العديد من النشطاء والصحفيين والمثقفين عن استيائهم من مستوى الخطاب الذي تبناه الفنان، والذي رأوا فيه تجنيًا غير مبرر على قضية إنسانية نبيلة.

الناشطة السياسية منى سيف كتبت عبر صفحتها:

"اللي يسخر من المتظاهرين أمام السفارات، هو في الحقيقة مش ساخر، هو جزء من آلة الصمت والخنوع. أما اللي يوصفهم بجهاد النكاح، فهو بيعيد إنتاج سردية الاستبداد في أسوأ صورها."

أما الكاتب الفلسطيني رامي أبو شهاب فقال:

"عندما يتحول بعض الفنانين إلى أدوات تسخيف وتشويه لقضايا تحررية عادلة، فنحن أمام ظاهرة خطيرة: تفاهة مع نجومية، تساوي تأثيرًا سلبيًا مضاعفًا."

حتى من داخل الوسط الفني، كانت هناك مواقف متباينة. بعض الفنانين التزموا الصمت، فيما لمّح آخرون إلى أن هذه التصريحات لا تمثلهم، دون أن يذكروا اسم فواز صراحة، ربما تجنبًا للاصطدام الإعلامي.

 

اتهامات بالتبعية والسقوط الأخلاقي

تصريحات فواز أعادت إلى الواجهة النقاش المتجدد حول دور الفنان في الأزمات السياسية والإنسانية. فبينما يتوقع الجمهور من الفنان أن يكون في صف القضايا العادلة، اختار فواز موقعًا بدا للكثيرين مريبًا، ومشحونًا بعبارات تتبنى خطاب الأنظمة القمعية التي اعتادت تشويه كل مظاهرة وكل تضامن شعبي.

وصفه البعض بـ"الممثل السلطوي"، مشيرين إلى مواقفه السابقة التي غالبًا ما جاءت متماهية مع الخطاب الرسمي. بينما اعتبره آخرون مجرد "ترس في ماكينة السخرية من كل ما هو مبدأي"، مُتهمين إياه بالانخراط في مشروع التشويش على وعي الشارع.

الصحفية السورية علا ياسين علّقت قائلة:

"ما فعله فواز هو وصم سياسي للمحتجين السلميين، وتشويه ضمني لفكرة التضامن العربي. إنها ليست زلة لسان، بل سقطة أخلاقية كاملة."

 

دفاع ضعيف وصمت مريب

حتى الآن، لم يصدر عن صبري فواز أي توضيح رسمي أو اعتذار، رغم تصاعد الدعوات لمقاطعته فنيًا وإعلاميًا، ومطالبات من بعض النشطاء بسحب التكريمات التي حصل عليها في مهرجانات محلية.

وهو ما زاد من حالة الاستياء، حيث فسر كثيرون هذا الصمت بأنه "تحدٍّ متعمد لمشاعر الغضب"، أو ربما اعتقاد منه أن العاصفة ستمر دون أن تترك أثرًا، كما جرى في حالات سابقة لفنانين تبنوا خطابًا مشابهًا.

وختاما ما قاله صبري فواز لم يكن مجرد تعليق ساخر، بل تعبير فج عن نظرة استعلائية تحمل في طياتها إهانة للمظلومين، واستهزاءً بالمتضامنين. وفي ظل مشهد عربي يسوده الوجع والخذلان، يصبح السخرية من ضمير الناس ليس فقط خروجًا عن المهنية، بل عن الحد الأدنى من الإنسانية.

قد يكون فواز قد نال الشهرة عبر أدوار درامية مميزة، لكن ما قاله مؤخرًا سيسجله كثيرون كـ"دور سيئ" في معركة لا تحتمل الحياد ولا التسفيه.