في الوقت الذي تواصل فيه حكومة عبدالفتاح السيسي الإعلان عن تحسّن مؤشرات الاقتصاد الكلي وتحقيق طفرة في النمو غير مسبوقة بين الدول الناشئة، تبرز على السطح مؤشرات رئيسية تطرح علامات استفهام كبرى حول مدى صدقية هذه الرواية، خاصة حين يُقارن الخطاب الرسمي بواقع معيشة المواطن، ومستويات الأسعار، وتدهور القدرة الشرائية، وتزايد الديون، وتهاوي قيمة العملة.

وفيما يلي استعراض تفصيلي لستة مؤشرات مركزية ترسم صورة مغايرة لما تروج له التصريحات الحكومية:

1. سعر الدولار يتراجع.. فلماذا لا تنخفض الأسعار؟
في تطورٍ وصفته الحكومة بالإيجابي، تراجع سعر صرف الدولار إلى أقل من 49 جنيهًا لأول مرة منذ فبراير الماضي، بعد أن كان قد تجاوز 51.70 جنيهًا في إبريل. لكن هذا الانخفاض لم ينعكس مطلقًا على أسعار السلع الأساسية في الأسواق.
المفارقة أن الحكومة كانت تُرجع سابقًا صعود الأسعار إلى تدهور سعر الجنيه مقابل الدولار، فكيف تفسّر الآن استمرار الغلاء رغم تراجع سعر الدولار نسبيًا؟
مع العلم أن مصر تعتمد على الاستيراد لتغطية نحو 70% من احتياجاتها الغذائية والصناعية، ومع تراجع الطلب المحلي وركود الأسواق، فإن المنطق يفرض انخفاضًا في الأسعار.. وهو ما لم يحدث.

2. احتياطي النقد الأجنبي يرتفع.. لكن ما مصدره؟
أعلن البنك المركزي قبل أسابيع عن ارتفاع صافي الاحتياطي الأجنبي إلى 48.7 مليار دولار بنهاية يونيو 2025، بزيادة تقارب 1.6 مليار دولار عن العام السابق.
لكن تفكيك مكونات هذا الاحتياطي يكشف عن نقاط ضعف هيكلية؛ فجزء كبير منه لا يُعد ملكية خالصة للدولة المصرية، بل يتكوّن من ودائع خليجية تُقدّر بنحو 18.3 مليار دولار، تستحق السداد بحلول أكتوبر 2026.
كما أن قفزة أسعار الذهب عالميًا، إلى جانب الاقتراض الدولاري المحلي، لعبت دورًا كبيرًا في رفع حجم الاحتياطي.
السؤال الأهم: هل هذه الموارد مستدامة؟ وهل تعني حقًا تحسنًا اقتصاديًا أم مجرد "تجميل" مرحلي للوضع المالي أمام المؤسسات الدولية؟

3. التضخم يتراجع على الورق.. ولكن في جيب المواطن؟
تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى تراجع التضخم السنوي إلى 14.9% في يونيو 2025، مقارنة بـ16.8% في مايو.
ورغم هذا التراجع المزعوم، لم يلمس المواطن أي انخفاض فعلي في أسعار السلع الأساسية، بل شهدت أسعار الوقود، والغاز المنزلي، والخبز المدعوم، زيادات متواصلة خلال الأشهر الماضية.
الحكومة تعتبر خفض الدعم "إصلاحًا ماليًا"، بينما يعتبره المواطن سحقًا لما تبقى من قدرته الشرائية.
فهل تراجع التضخم على الورق يكفي في ظل واقع يعاني فيه المصريون من غلاء متواصل واستهلاك مرهق؟

4. مصر تمتلك الغاز.. لكنها تستورده بالمليارات
رغم امتلاك مصر لحقل ظهر، وهو من أكبر حقول الغاز في البحر المتوسط، ورغم اكتشافات الغاز التي تعلن عنها الحكومة تباعًا، إلا أن المفارقة تكمن في أن البلاد خصصت 9.5 مليارات دولار لاستيراد الغاز والوقود في موازنة 2025-2026.
وتجري مفاوضات حاليًا لاستيراد الغاز من دول وشركات كبرى حتى عام 2028 على الأقل، ما يضع علامات استفهام حول حجم الإنتاج الحقيقي، وحجم ما يتم تصديره، وأولويات الاستهلاك المحلي.
إذا كانت مصر "مركزًا إقليميًا للطاقة" كما يُروّج رسميًا، فلماذا تعتمد بهذا الشكل المكثف على استيراد الغاز؟ وأين مردود تلك الثروات على المواطن والكهرباء والصناعة؟

5. التحويلات ترتفع.. فأين أثرها؟
سجلت تحويلات المصريين العاملين بالخارج زيادة قياسية بلغت 82.7% خلال أول تسعة أشهر من العام المالي الحالي، لتصل إلى 26.4 مليار دولار، مقابل 14.5 مليار دولار في العام السابق.
ورغم هذا الإنجاز، فإن أثر هذه التحويلات على الاقتصاد الوطني ما زال محدودًا في ظل ارتفاع كلفة المعيشة، وتفاقم الدين الخارجي، وتراجع قيمة الجنيه.
إضافة إلى ذلك، تواجه الجاليات المصرية تحديات متزايدة في استخراج الأوراق الرسمية وتجديد الوثائق، دون أن تقابل الدولة هذه التحويلات بمزايا خدمية واضحة أو تسهيلات ملموسة.

6. برنامج الإصلاح الاقتصادي.. هل خدم المواطن؟
منذ عام 2016، تتباهى الحكومة بشراكتها مع صندوق النقد الدولي عبر برنامج للإصلاح الاقتصادي والمالي. ووفق البيانات الرسمية، حقق الاقتصاد نموًا بنسبة 4.77% خلال الربع الثالث من 2024-2025.

لكن مَن المستفيد من هذا النمو؟
المواطن العادي لا يشعر بأي تحسن، بل تراجعت جودة حياته، وزادت أعباؤه، وانخفض مستوى الطبقة الوسطى بشكل خطير، وسط ارتفاع غير مسبوق في الدين العام، وبيع أصول الدولة، وتقليص الدعم.