كشف تقرير حديث لصندوق النقد الدولي أن ديون مصر الخارجية ستتجاوز حاجز الـ200 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، لتبلغ 202 مليار دولار بحلول يونيو 2030، مقارنة بـ162.7 مليار دولار في يونيو 2025، إلا أن الصندوق يوضح أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي ستشهد انخفاضًا من 46% في يونيو 2025 إلى 34% بحلول 2030، مما يعكس توقعات بنمو اقتصادي قد يخفف نسب عبء الدين على الاقتصاد المصري.

 

دوافع الاقتراض..

تاريخ علاقات مصر مع صندوق النقد الدولي يشهد استمرارًا في الاقتراض لدعم الاقتصاد الوطني في ظل تحديات كبيرة، ففي نوفمبر 2016، حصلت مصر على 12 مليار دولار ضمن برنامج (تسهيل الصندوق الممدد)، تلاها قرض بقيمة 2.8 مليار دولار في مايو 2020 من أداة التمويل السريع، ثم 5.2 مليار دولار في يونيو 2020 حسب اتفاق الاستعداد الائتماني.

الاقتصاد المصري يتعرض لصدمات خارجية متزامنة، مثل ارتفاع أسعار السلع والطاقة عالميًا، بالإضافة إلى زيادة معدلات الفائدة في البنوك المركزية العالمية لكبح التضخم، مما يجعل الحصول على تمويل خارجي ضرورة للحفاظ على الاستقرار المالي وضمان توفير السلع الأساسية للمواطنين، وإجراء الإصلاحات الهيكلية الضرورية بحسب تصاريح الحكومة المصرية.

قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي قال في لقاء مع رؤساء تحرير صحف قومية إنه "لو استمرينا على نفس الوضع أكثر من عام أو اثنين لأصبح الموقف أكثر حدة"، مما يبرر تسريع الإصلاحات الاقتصادية والإجراءات التقشفية التي تشتمل على رفع الدعم وخفض الأجور وزيادة الضرائب لخفض عجز الموازنة.

 

أين تذهب الأموال؟ مشروعات عملاقة أم نفقات خفية؟

توجه الدولة المصرية جزءًا كبيرًا من القروض لمشروعات كبرى مثل العاصمة الإدارية الجديدة، وخطوط المترو، ومحطات الطاقة، ومشروعات البنية التحتية، لكن يثار جدل حول جدوى هذه المشروعات، ومدى مساهمتها في خفض الدين.

تقول مؤسسة موديز للتصنيف الائتماني في تقرير صدر في مايو 2025: "المشروعات القومية في مصر تستهلك موارد ضخمة دون عائدات مباشرة، ما يُضعف قدرة البلاد على السداد".

بينما صرّح وزير المالية أحمد كوجوك في مارس 2025 بأن: "كل مشروع يتم تمويله بقرض مدروس، وسيحقق عائده في المدى المتوسط".

ومع ذلك، تتزايد التساؤلات حول عدم إعلان تفاصيل تعاقدات القروض، وعدم طرح مناقصات شفافة في كثير من هذه المشروعات.

المواجهة الحقيقية للتحديات في مصر تكمن في كيفية السداد وسط أزمة دقيقة تشمل انهيار اقتصادي وإداري وسياسي، فالاقتصاد يشهد تضخمًا مرتفعًا وصعوبات في تدبير العملة الصعبة، خصوصًا مع اعتماد الدولة على الاستيراد لسد احتياجات السوق والصادرات التي لم تصل بعد إلى معدلات كافية لتعزيز الإيرادات.

صندوق النقد الدولي يشير إلى أن مصر نفذت إصلاحات مهمة مثل توحيد سعر الصرف وتقوية الاستقرار الكلي، لكن يدعو إلى الحذر واليقظة في إدارة سعر الصرف، مشيرًا إلى أن السوق لا يزال يدار بشكل محدود ولا يتسم بالمرونة الكاملة، مما يؤثر على تدفق الاستثمارات والإيرادات.

كما أن المراجعات المستمرة مع صندوق النقد الدولي والمفاوضات التي تجري بين وفود مصرية ومسؤولي الصندوق تعكس محاولات مستمرة للحفاظ على التمويل الخارجي دون تحميل المواطن أعباء اقتصادية إضافية، رغم الصعوبات الاقتصادية التي يعيشها القطاع العام والخاص.

أكد نادر سعد، المتحدث الرسمي باسم حكومة الانقلاب أن "أولويات الدولة المصرية حالياً هي سرعة اتخاذ السياسات التي تضمن استقرار الاقتصاد والعمل على توفير السلع الأساسية وتحقيق دعم القطاعات المتضررة".

خبراء اقتصاديون حذروا من أن استمرار الاعتماد على الاقتراض الخارجي بمستويات مرتفعة يعرض الاقتصاد لمخاطر تمويلية كبيرة، خصوصًا في ظل عدم تنفيذ كامل للإصلاحات الهيكلية وطروحات الخصخصة التي تعثرت.

بينما يرى محللون ماليون أن تراجع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي رغم ارتفاع القيمة المطلقة يشير إلى احتمالات جيدة لنمو اقتصادي، لكن ذلك مرتبط بتحقيق إصلاحات عميقة وجذب استثمارات جديدة.

يرجع جزء من الأزمة إلى عجز الموازنة المزمن الذي تجاوز 12% من الناتج المحلي الإجمالي في 2015/2016، مع تعهدات حكومية لخفضه إلى أقل من 5% خلال السنوات التالية، عبر حزمة إجراءات تقشفية تشمل خفض الدعم ورفع الضرائب وأجور العمال، ما تسبب في فجوة اجتماعية اقتصادية.

بلغ حجم الدين الخارجي بنهاية الربع الأول من العام المالي 2021/2022 نحو 137.4 مليار دولار، مع تراجع بسيط قياسي مقارنة بالربع السابق، مما يدل على تقلبات في تدفقات الدين وخدمة الديون.

تشير التقارير إلى أن هناك فجوة تمويلية في ميزانية الدولة بقيمة 8 مليارات دولار في العام المالي الحالي، ما يجعل من الضروري بيع أصول حكومية بقيمة لا تقل عن 5 مليارات دولار خلال العامين المقبلين لتوفير السيولة المطلوبة.

وفقًا لتصريحات صندوق النقد ومراقبين اقتصاديين، توجد حاجة ملحة لاستكمال الإصلاحات الهيكلية، تفعيل برنامج الخصخصة، وتحسين مناخ الأعمال لجذب استثمارات أجنبية مستدامة، كما ينبغي تنويع مصادر الدخل الوطني، وتقليل الاعتماد على الاقتراض كحل وحيد لتغطية العجز المالي.

ويعتبر الحفاظ على استقرار سعر الصرف وتعزيز صادرات مصر من القطاعات الصناعية والسياحية أمرًا محوريًا لتوفير عملة صعبة تسهم في خدمة الدين وتقليل الضغوط المالية.