تعيش قرية كفر السنابسة التابعة لمركز منوف بمحافظة المنوفية، في حالة من الحصار الأمني المشدد منذ أكثر من أسبوعين، على خلفية حادث مأساوي أودى بحياة 19 شخصًا – بينهن 18 فتاة من بنات القرية – إثر تصادم على الطريق الدائري الإقليمي في 27 يونيو الماضي.

وبينما تعاني القرية الفقيرة من صدمة الفقد والفقر، فرضت أجهزة الأمن طوقًا مشددًا حول مداخلها، مانعة الصحفيين والمراسلين من الوصول إلى أهالي الضحايا، في خطوة وصفها السكان بأنها تهدف إلى التعتيم على الأوضاع الاجتماعية المزرية داخل القرية، التي تسلطت عليها الأضواء عقب الحادث.

 

الأمن يمنع الصحفيين والمعزين
بحسب شهادات متعددة من أهالي القرية، فقد أوقفت قوات الأمن سيارة كانت تقل معزين بدعوى أنهم غرباء، وفتشتهم ودققت في بطاقاتهم الشخصية بحثًا عن صحفيين. لم يُسمح لهم بمتابعة الطريق إلا بعد الاتصال بأهالي الضحايا والتأكد من انتظارهم لهم.

كما أكد مصدر محلي أن سيارة تابعة لقناة "العربية" تم منعها من دخول القرية، بينما اضطر صحفيون آخرون للتراجع عن الحضور بعد أن أبلغهم الأهالي بصراحة: "الشرطة مش هتسيب حد يدخل".

وامتد الحظر ليشمل حتى أقارب الضحايا من قرى مجاورة، ما أدى إلى حالة من السخط الشعبي وسط اتهامات للأجهزة الأمنية بمحاولة دفن الحقيقة وتقييد التغطية الإعلامية لما حدث ولأوضاع القرية الاجتماعية.

 

الفقر والحرمان... والموت أيضًا
تسكن قرية كفر السنابسة أكثر من عشرة آلاف نسمة، وتعاني من نقص حاد في الخدمات الحكومية الأساسية، ولا سيما التعليمية. حيث لا يوجد بها سوى مدرسة إعدادية واحدة، بينما يضطر الطلاب والطالبات للسفر إلى قرى أخرى أو إلى مدينة منوف لاستكمال التعليم الثانوي، وهو ما يزيد الأعباء الاقتصادية والأمنية على الأسر الفقيرة.

الحادث المأساوي، الذي أودى بحياة 18 فتاة كن يعملن باليومية في محطات تصدير المنتجات الزراعية، كشف الواقع القاسي الذي تعيشه كثير من الأسر في القرية، والتي تدفع فتياتها مبكرًا إلى سوق العمل للمساهمة في تأمين لقمة العيش.

السائق، الضحية رقم 19 في الحادث، كان يقلهن إلى موقع العمل حين وقع الاصطدام على الطريق الإقليمي، وسط اتهامات متزايدة بانهيار البنية التحتية وسوء التخطيط المروري في عهد وزير النقل الحالي كامل الوزير، وتراكم الإهمال منذ تولي عبد الفتاح السيسي الحكم.

 

تعويضات متأخرة ومبادرات مثيرة للجدل
أعلنت الدولة عن تقديم تعويضات لأهالي الضحايا بقيمة 200 ألف جنيه من وزارة التضامن الاجتماعي، و300 ألف من وزارة العمل، و100 ألف من وزارة النقل، كما تبرع بعض رجال الأعمال، بمبالغ مالية، بينما أُعلن لاحقًا عن تبرع غير مُفصح عنه من رجل أعمال مجهول بمليوني جنيه لكل أسرة، وهو تبرع لم يصل فعليًا، وفقًا لشهادات من أسر الضحايا.

لكن المفاجأة كانت في دعوة العمدة محمد علام لأهالي الضحايا للتبرع بجزء من هذه التعويضات – وتحديدًا 250 ألف جنيه عن كل أسرة – للمساهمة في شراء أرض لبناء مدرسة ثانوية داخل القرية.

الطلب قوبل بالرفض من العديد من الأهالي الذين رأوا أن بناء المدرسة هو واجب الدولة وليس مسؤوليتهم، خاصة في ظل المعاناة الشديدة التي يعيشونها، سواء من فقدان بناتهم أو من الفقر المدقع. أحد الأهالي علق قائلًا: "الأهالي محتاجة الفلوس دي.. أنت شفت منظر البيوت؟!" في إشارة إلى مظاهر البؤس في منازل القرية.

 

من المسؤول؟
تحول حادث الطريق الإقليمي إلى قضية رأي عام، وسط تساؤلات عن المسؤولية السياسية والإدارية عن الحادث، وتدهور البنية التحتية، وتجاهل الدولة المتواصل لأوضاع القرى الفقيرة مثل كفر السنابسة.

كما أثار الحصار الأمني للقرية ردود فعل غاضبة بين نشطاء حقوق الإنسان والإعلاميين، الذين اعتبروا أن منع الصحفيين والمعزين من الوصول يعكس محاولة متعمدة لتكميم أفواه الأهالي وإخفاء معاناتهم عن الرأي العام.

شاهد:

http://https://www.facebook.com/watch/?v=1560060698701512