كشف تقرير حديث لصندوق النقد الدولي عن قفزة مرتقبة في دعم الوقود تصل إلى 130 مليار جنيه في العام المالي 2027–2028، ما يطرح تساؤلات واسعة حول جدية الحكومة في تنفيذ برامج الإصلاح، وقدرتها على السيطرة على الإنفاق العام وسط أزمة اقتصادية متفاقمة، في تناقض صارخ مع تعهدات الحكومة بإلغاء دعم الوقود نهائيًا بحلول نهاية عام 2025.
وعود رسمية.. وأرقام متضاربة
في الثاني عشر من مارس 2025، أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أن حكومته تعتزم رفع الدعم عن الوقود بالكامل بنهاية العام، باستثناء دعم السولار وغاز البوتاجاز، ضمن التزاماتها مع صندوق النقد الدولي في إطار قرض قيمته 8 مليارات دولار.
غير أن تقرير الصندوق، الصادر في 15 يوليو الجاري، يناقض هذا الإعلان الرسمي؛ إذ يتوقع أن يبلغ دعم الوقود خلال العام المالي الحالي 2025–2026 نحو 79 مليار جنيه، بزيادة 4 مليارات جنيه عن المخصص بالموازنة الحكومية (75 مليار جنيه)، ثم يرتفع إلى 95 ملياراً في 2026–2027، قبل أن يبلغ الذروة عند 130 ملياراً في العام 2027–2028.
اقتصاديون: الدعم يرتفع بسبب الجنيه لا لزيادة الإنفاق
ويؤكد خبراء اقتصاد أن هذا التصاعد في أرقام الدعم لا يعني توسيع الدولة شبكات الحماية الاجتماعية، بل يرجع إلى انخفاض قيمة الجنيه وارتفاع أسعار الطاقة العالمية، مما يؤدي إلى ارتفاع فاتورة الدعم المقدّرة بالجنيه رغم تثبيت كميات أو أسعار الاستيراد بالدولار.
وبحسب بيان سابق صادر عن وزارة البترول في 11 إبريل 2025، لا تزال الحكومة تنفق نحو 366 مليون جنيه يومياً على دعم الوقود، أي ما يعادل 11 مليار جنيه شهرياً. وفي السياق نفسه، رفعت الحكومة أسعار البنزين في أبريل الماضي بنسب تراوحت بين 11.8% و14.8%، ما أثار موجة من الغضب الشعبي والانتقادات بشأن آثار هذه الزيادات على التضخم ومعيشة المواطنين.
أعباء إضافية: دعم الكهرباء والغذاء في مسار تصاعدي
لم يقتصر التقرير على دعم الوقود فقط، بل شمل أيضًا أرقامًا مفصّلة لدعم الطاقة والغذاء. إذ يُتوقع أن يبلغ إجمالي دعم الطاقة خلال العام المالي الحالي 154 مليار جنيه، مقارنة بـ150 ملياراً في تقديرات الحكومة، ويُتوقع أن يقفز إلى 180 ملياراً في 2027–2028، ثم إلى 190 ملياراً في 2028–2029، قبل أن يتراجع إلى 166 ملياراً في 2029–2030.
أما دعم الكهرباء، فسجّل 75 مليار جنيه هذا العام، ويتوقع أن ينخفض إلى 45 ملياراً في 2026–2027، ثم يعاود الصعود إلى 63 ملياراً بحلول 2029–2030.
وفيما يتعلق بالدعم الغذائي، توقع الصندوق أن يبلغ 153 مليار جنيه هذا العام، مع استقرار نسبي حتى العام المالي 2028–2029، ثم ارتفاعه إلى 163 ملياراً في 2029–2030. وتعتبر الدولة هذا الدعم حجر الزاوية في ضمان السلم المجتمعي، خصوصًا في ظل أوضاع اقتصادية ضاغطة وارتفاع نسب الفقر.
برامج اجتماعية لا تواكب الواقع
تشير بيانات الموازنة الحكومية للعام المالي 2025–2026، التي صدرت في إبريل الماضي، إلى تخصيص 732.6 مليار جنيه لبند الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية، موزعة على عدة برامج، أبرزها:
- دعم السلع التموينية والخبز: 160 مليار جنيه
- برنامج "تكافل وكرامة": 54 مليار جنيه
- دعم الوقود: 75 مليار جنيه
- دعم الكهرباء: 75 مليار جنيه
لكن هذه الأرقام تتباين مع تقديرات صندوق النقد التي توقعت أن يصل إجمالي هذا البند إلى 744 مليار جنيه، على أن يرتفع إلى 833 ملياراً في 2026–2027، ما يعكس إما نقصاً في تقديرات الحكومة أو اتساعاً متوقعاً في عجز الموازنة.
الكهرباء: الحكومة تُرجئ الزيادات لتجنّب الاحتقان
في ظل الزيادات السابقة التي طالت الكهرباء بين أغسطس وسبتمبر 2024 (بنسب تراوحت بين 14% و40%)، توقّع التقرير أن تؤجل الحكومة أي زيادات جديدة خلال صيف 2025، نظرًا لحالة الغضب الشعبي، خصوصًا مع تراجع النمو الاقتصادي وتأثيرات التضخم.