في تطور يعكس تحولاً جزئياً في المشهد الأمني المتدهور في العاصمة السودانية، أعلنت قوات الشرطة عن تراجع ملحوظ في جرائم النهب المسلح بولاية الخرطوم، في وقت تزايدت فيه الاتهامات الموجهة إلى دولة الإمارات بالضلوع في دعم ميليشيات ومرتزقة ساهموا في تأجيج حالة الفوضى التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من عام.
وتأتي هذه التصريحات في ظل محاولات مستمرة من الحكومة السودانية لإعادة بسط سيطرتها على العاصمة، التي كانت مسرحاً لأعمال عنف ونهب ممنهج منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023.
خطة أمنية متكاملة لإعادة الحياة إلى العاصمة
أكد المتحدث باسم الشرطة السودانية، العميد فتح الرحمن محمد التوم، أن الشرطة شرعت في تنفيذ "مصفوفة أمنية متكاملة" تهدف لتأمين الخرطوم وإعادة تشغيل مرافقها الحيوية.
وقد شملت الخطة إعادة افتتاح 98 قسمًا جنائيًا و115 مركزًا للتنسيق المجتمعي، إلى جانب تفعيل الوجود الأمني في أكثر من 350 نقطة استراتيجية تضم سفارات ومقار حكومية ومحاكم ومؤسسات خدمية واقتصادية.
وأوضح التوم أن الخطة بدأت تؤتي ثمارها، مشيرًا إلى تحسن واضح في مستوى الأمان ببعض الأحياء، وعلى رأسها مدينة أم درمان، التي قال إنها "الأكثر أمانًا حالياً"، في ظل عودة مظاهر الحياة اليومية من نشاط تجاري واجتماعي وثقافي.
جهود لاستعادة المنهوبات وتتبع المفقودين
ضمن الجهود الأمنية المتواصلة، شرعت الشرطة في عمليات رصد واستعادة لممتلكات المواطنين، وعلى رأسها السيارات المنهوبة، حيث تم حصر نحو 900 مركبة يجري العمل على إعادتها لأصحابها بعد التحقق من ملكيتها.
كما أشار التوم إلى تلقي الشرطة 398 بلاغاً عن مفقودين عبر منصتها الإلكترونية، إضافة إلى بلاغات أخرى وصلت إلى الأقسام الجنائية، ما يعكس حجم التحديات الإنسانية والأمنية في المشهد الراهن.
تراجع ملحوظ في الجريمة.. ولكن التهديد مستمر
رغم التحسن النسبي، حذّر العميد التوم من أن خطر الفوضى لا يزال قائمًا، مؤكداً أن قوات الأمن ألقت القبض على العشرات من المشتبه بضلوعهم في عمليات نهب، بعضهم كان يرتدي زيّ القوات النظامية للتمويه.
كما ضبطت الشرطة كميات من الأسلحة وآلات تزوير للعملات، في مؤشر على وجود عناصر منظمة تُواصل نشاطها خارج إطار الدولة، ما يستدعي استمرار حالة الاستنفار الأمني.
أصابع الاتهام تتجه نحو الإمارات
في المقابل، لا ينفصل المشهد الأمني في السودان عن التدخلات الإقليمية، حيث تصاعدت خلال الشهور الماضية الاتهامات الموجهة إلى دولة الإمارات بدعم مجموعات مسلحة ومرتزقة ساهموا في توسيع رقعة الانفلات الأمني، خصوصًا في الخرطوم وإقليم دارفور.
وكان رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان، قد اتهم في تصريحات سابقة جهات خارجية – في إشارة واضحة إلى الإمارات – بـ"إشعال الفوضى عبر دعم الميليشيات"، معلنًا تشكيل لجنة عليا بقيادة الفريق إبراهيم جابر لإعادة المواطنين إلى الخرطوم في ظروف آمنة.
وتداولت وسائل إعلام وتقارير استخباراتية معلومات تفصيلية عن تمويل وتسليح إماراتي لقوات الدعم السريع، في إطار مشروع إقليمي يهدف إلى التأثير في التوازنات السودانية الداخلية، وهو ما اعتبرته قوى سياسية وناشطون سودانيون "أخطر تهديد للأمن القومي" منذ اندلاع الحرب.
عودة محدودة للنازحين وسط هشاشة في الاستقرار
في سياق موازٍ، كشفت المنظمة الدولية للهجرة أن أكثر من 1.3 مليون نازح قد عادوا إلى ست ولايات سودانية، من بينها الخرطوم، في مؤشر على تحسن نسبي في الأوضاع، وإن كان محدودًا أمام حجم الدمار والانهيار الواسع في البنى التحتية.
وتصدّرت ولاية الجزيرة قائمة العائدين بنسبة 71%، تلتها ولاية سنار بنسبة 13%، ما يعكس التفاوت الكبير في مستويات الأمان بين مختلف المناطق.