دخل الاقتصاد المصري منعطفاً حرجاً بعد تقرير صادم أصدره صندوق النقد الدولي مؤخراً تحت عنوان "نموذج الاقتصاد المصري بحاجة إلى مراجعة جذرية".

التقرير، الذي وُصف بأنه الأكثر حدّة منذ سنوات، أطلق جرس إنذار للأسواق، وترك أوساط المال والأعمال في حالة من القلق غير المسبوق، خصوصاً مع تأكيد الصندوق على عدم قدرة الاقتصاد المصري على الصمود أمام موجات التضخم، وأزمة نقص العملة، ومخاطر الديون المتفاقمة.

 

تحذيرات قاسية وتأجيلات تمويلية
في سابقة مقلقة، أشار التقرير إلى أن مصر لن تتمكن من الحصول على الشريحتين المتبقيتين من قرضَي صندوق النقد، المرتبطتين بالمراجعتين الخامسة والسادسة، في التوقيت المحدد لهما. فبدلاً من سبتمبر 2025، قد يتأجل الصرف إلى فبراير 2026 أو حتى اجتماعات الربيع المقبل لمجلس إدارة الصندوق. التأجيل جاء مشروطاً بتحقيق الحكومة عدة التزامات، أبرزها:

  • تحرير أسعار المحروقات والكهرباء بالكامل
  • وقف إصدار أدوات دين خارجية جديدة
  • عدم الاقتراض لتسديد قروض قائمة

ووفق التقرير، قفز الدين الخارجي إلى 162.7 مليار دولار بنهاية يونيو الماضي، وسط توقعات بارتفاعه إلى 202 مليار دولار بحلول عام 2030، في منحنى تصاعدي ينذر بالخطر.

 

خبراء: انهيار في الثقة وغلاء يلوح في الأفق
من جهته، أكد الخبير في التمويل والاستثمار وائل النحاس، أن التقرير يُعدّ نقطة فاصلة، حيث باتت الحكومة مطالبة بتنفيذ إجراءات قاسية تشمل:

  • إلغاء دعم الوقود والكهرباء بحلول نهاية 2025
  • توسيع القاعدة الضريبية لتشمل السلع الأساسية مثل السكر والشاي
  • تصفية شركات ومشروعات حكومية عاجزة
  • فرض ضرائب جديدة على العقارات وتعديل القائم منها

وحذّر النحاس من أن أسعار السلع ستشهد طفرات حادة مع دخول موسم المدارس في سبتمبر، لافتاً إلى أن أسعار اللحوم والدخان والسلع الغذائية بدأت بالفعل بالصعود خلال الأسابيع الماضية.

 

أزمة الثقة مع المستثمرين الأجانب
التقرير الدولي أثار موجة من القلق بين المستثمرين، ما قد ينعكس على قدرة الحكومة في تنفيذ خطة لبيع شركات عامة بقيمة 3 مليارات دولار ببورصة الأوراق المالية المصرية.

فوفق الخبراء، التوقيت غير مواتٍ لطرح واسع، بسبب مخاوف المستثمرين من ضبابية المشهد الاقتصادي وتراجع الثقة في الإدارة المالية للدولة.

ويضيف النحاس أن استمرار اعتماد الحكومة على الاقتصاد الريعي (السياحة والخدمات)، وتراجع الإنتاج الصناعي والزراعي، يعني أن أي أزمة خارجية – كالحرب الإسرائيلية على غزة – تترك أثرًا مباشرًا على الاقتصاد.

 

هيمنة الصندوق.. وسيادة مهددة؟
بحسب الخبير الاقتصادي المصري المقيم في الولايات المتحدة، محمود وهبة، فإن الحكومة تروّج عبر الإعلام أن الشعب هو سبب الأزمة، بينما الحقيقة أن السياسات الاقتصادية منذ تعويم الجنيه في 2016، وخاصة الاعتماد على القروض لسداد قروض، كانت وصفة جاهزة للانفجار الاقتصادي والاجتماعي.

ويرى وهبة أن صندوق النقد أصبح فعليًا الوصي المالي على مصر، إذ لا يمكن للقاهرة الحصول على تمويل خارجي من الخليج أو الاتحاد الأوروبي دون موافقته، ما يضع سيادة القرار الاقتصادي المصري على المحك.

 

معارضة برلمانية صامتة وتخوفات من انفجار اجتماعي
الانتقادات لم تقتصر على الخبراء فحسب، بل امتدت إلى البرلمان.

حيث حمّل النائب هاني خضر الحكومة مسؤولية انفجار الدين الخارجي، مؤكداً أن الأغلبية تمرّر القروض دون فهم تفاصيلها، فقط التزاماً بمسؤولية تضامنية لا تعفي الحكومة من المساءلة.

وأضاف خضر أن الحكومة مستمرة في نفس النهج المالي، بلا أي محاولة للتمييز أو المراجعة، محذّراً من موجات تضخم ستقضي على ما تبقى من قدرة المواطن الشرائية، وتزيد من هشاشة الوضع الاجتماعي.

 

الحكومة تراهن على الخليج.. ولكن إلى متى؟
في خضم هذا المشهد القاتم، تعوّل الحكومة على استمرار الدعم المالي من دول الخليج.

وتراهن على تحوّل جزء من الودائع الخليجية إلى استثمارات حقيقية، لكن خبراء يشكّكون في استمرار هذا الدعم، في ظل التحولات الجيوسياسية، وحاجة تلك الدول لإعادة ترتيب أولوياتها الاقتصادية.