الإسكندرية، المدينة العريقة التي لطالما كانت درة المتوسط، تتحول يومًا بعد يوم إلى بؤرة للأزمات المتراكمة، فبينما تفقد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي عددًا من المشروعات التنموية بالمحافظة مؤكدًا أن "الإسكندرية تشهد نقلة حضارية حقيقية"، كانت المدينة في ذات الوقت تحت وطأة انهيار مبنى جديد بمنطقة العطارين، خلف ضحيتين و6 مصابين، في حلقة جديدة من مسلسل انهيارات لا ينتهي.

 

مدبولي: مشروع عاجل لإنقاذ الأرواح
في محاولة لاحتواء الكارثة المتكررة، وجّه مدبولي أمس الاثنين بالإسراع في تنفيذ مشروع لبناء 60 ألف وحدة سكنية جديدة، تُخصص لسكان العقارات الآيلة للسقوط، محذرًا من التباطؤ في تنفيذ قرارات الإزالة أو نقل السكان من مساكن مهددة بالانهيار، وشدد على ضرورة حصر كافة العقارات المهددة، وتوفير تمويل مناسب لتعويض أصحابها.

لكن دعوات رئيس الوزراء، وإن بدت حاسمة، تصطدم بجدار ثقيل من التعقيدات الميدانية، أبرزها تفشي الفساد في أروقة الإدارة المحلية، وتراكم قرارات إزالة لم تُنفذ منذ سنوات، رغم التقارير الفنية التي تؤكد خطورة مئات المباني على حياة المواطنين.

 

"نهضة" فوق أنقاض الماضي.. ومليارات لم تُنهِ الأزمة
محافظ الإسكندرية، اللواء أحمد خالد سعيد، قدّم بدوره عرضًا للمشروعات التي تنفذها المحافظة، مشيرًا إلى وجود 63 مشروعًا بتكلفة تقارب 90 مليار جنيه، تركز على تطوير الطرق والبنية التحتية، أبرزها مشروعات توسعة الكورنيش، وإحلال وصيانة طرق بطول 200 كيلومتر، بالإضافة إلى مشروعات استثمارية سياحية مستقبلية.

ورغم هذه الأرقام الطموحة، يرى كثير من المواطنين أن الإسكندرية لم تشهد انعكاسًا حقيقيًا لكل هذه الاستثمارات على جودة حياتهم، مع تكرار حوادث الغرق في الشتاء، ومشهد انهيارات العقارات صيفًا، فضلاً عن غياب العدالة في توزيع الخدمات، واستمرار تمدد المناطق العشوائية في أطراف المدينة.

 

الإسكندرية بين مطرقة المناخ وسندان الإهمال
وفي تصريحات أخرى خلال الجولة، حذّر مدبولي من خطر غرق الإسكندرية نتيجة التغيرات المناخية وارتفاع منسوب سطح البحر، مشيرًا إلى أن أعمال حماية كورنيش الإسكندرية ليست جمالية فقط، بل إجراء ضروري لحماية المدينة من المصير المحتمل.

وأكد أن الحكومة أنهت المرحلة الأولى من شبكات تصريف الأمطار، والتي انعكس أثرها الإيجابي، وفقًا له، على تعامل الفرق المحلية مع عاصفة 31 مايو. ومع ذلك، تظل كفاءة شبكات الصرف محل تساؤل كبير لدى المواطنين، الذين عانوا في السنوات الماضية من مشاهد الغرق الكامل لبعض المناطق خلال ساعات قليلة من الأمطار الغزيرة.

 

انهيارات تتكرر.. والأرقام صادمة
بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن مصر تضم نحو 97,535 عقارًا آيلاً للسقوط، يصنَّف أغلبها في بند "غير قابل للترميم".

وضمن هذا الواقع المؤلم، تقف الإسكندرية على رأس المحافظات المنكوبة، إذ تضم عشرات الآلاف من هذه المباني الخطرة، في ظل غياب فاعلية الرقابة، ووجود مصالح مشتركة بين بعض ملاك العقارات ومسؤولين محليين، ما يعرقل التنفيذ الجاد لقرارات الإزالة.

وليس بعيدًا عن هذه الأرقام، تُظهر الإحصاءات وجود أكثر من 3.2 مليون عقار بحاجة إلى ترميم بدرجات متفاوتة في عموم البلاد، ما ينذر بأن خطر الانهيار السكني ليس طارئًا، بل أزمة وطنية تحتاج تدخلًا جذريًا وشاملًا.

 

المواطن السكندري يسأل.. أين العدالة؟
رغم تأكيد الحكومة على وجود منظومة لمراقبة الشواطئ إلكترونيًا، وتطبيقات لتحديث أحوال الطقس، إلا أن هذه الرفاهيات التقنية لا تُطَمئن المواطن البسيط الذي يعيش تحت سقفٍ مهددٍ بالانهيار، أو في حارة تغمرها المياه شتاءً، أو يبحث عن وحدة سكنية بديلة لا تُكلفه عمره في القروض أو البيروقراطية.

وفي الوقت الذي تستعرض فيه المحافظة فرص استثمارية لبناء فنادق ومنتجعات عالمية، يتساءل السكان: لماذا لا يُوظف هذا الحماس الاستثماري في إعادة تأهيل مناطق مثل كوم الدكة، أو القباري، أو العامرية، التي ما زالت تعيش في طي النسيان؟