أعلنت نقابة المحامين تأجيل تنفيذ الإضراب العام الذي كان مقررًا يومي السابع والثامن من يوليو الجاري، بعد اجتماع طارئ ضمّ مجلس النقابة والنقباء الفرعيين، شهد انقسامًا واضحًا حول جدوى التصعيد، في تحول لافت لمسار أزمة "رسوم الميكنة" التي أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط القانونية والنقابية منذ أكثر من أربعة أشهر.
القرار جاء بمثابة تراجع فعلي عن لهجة التحدي والتصعيد التي طبعت مواقف النقابة طيلة الشهور الماضية، حيث فتح الباب أمام "الحلول الوسط" والتفاوض مع الرؤساء الجدد لمحاكم الاستئناف المتوقع تسلمهم لمهامهم مطلع يوليو، حول إمكانية تخفيض الرسوم بدلًا من إلغائها الكامل.
انفتاح متأخر.. وتخلي عن المطالب القصوى
لأول مرة منذ اندلاع الأزمة في مارس الماضي، يُبدي عضو مجلس النقابة العامة ربيع الملواني ليونة واضحة في الموقف، معلنًا أن النقابة باتت منفتحة على تسوية جزئية لا تشمل إلغاء الرسوم بل تخفيضها، وهو تراجع اعتبره البعض مؤشرًا على اهتزاز الثقة داخل مجلس النقابة تجاه جدوى التصعيد، بعد أن كان الملواني نفسه من أبرز الداعين للإضراب والداعمين لوصف تلك الرسوم بـ"غير القانونية وغير الدستورية".
وكشف الملواني عن أن غالبية الحضور في اجتماع مجلس النقابة صوتوا لصالح تعليق الإضراب، مقابل جبهة صغيرة مؤلفة من النقيب عبد الحليم علام وخمسة أعضاء فقط تمسكت بتنفيذ القرار في موعده، مشيرًا إلى أن الخوف من تعطل مصالح المحامين بالمحافظات وخسارة الدعاوى كان الدافع الأبرز لهذا التراجع، بالإضافة إلى ضعف المشاركة في الوقفات الاحتجاجية الأخيرة.
إحباط يتغلغل بين المحامين
الملواني لم يُخفِ أن "الإحباط" بات شعورًا طاغيًا بين المحامين، نتيجة لما وصفه بـ"تخاذل الشارع والجهات الرسمية في مساندة مطالب النقابة"، متسائلًا عن غياب الدعم الشعبي الذي كان من المفترض أن يقف في صف المحامين في معركتهم، وقال بمرارة: "كان مفترض ينزلوا معانا وينفذوا الإضراب ويدعموا قراراتنا... لكن ده ما حصلش، وبالتالي فإيه المانع ما يدفعوا؟".
وأضاف أن الوقفات الاحتجاجية الأخيرة لم يتجاوز المشاركون فيها 200 محامٍ، ما شكل ضربة قوية للمعنويات داخل مجلس النقابة، ودفع الكثيرين إلى القبول بالحلول الوسط، رغم أنهم كانوا من المؤيدين للإضراب في البداية.
انتقادات حادة: "استعراض وفوضى وفشل"
في المقابل، وجه عدد من المحامين انتقادات لاذعة لمجلس النقابة، وعلى رأسه النقيب عبد الحليم علام، متهمين إياه بإدارة الأزمة بشكل استعراضي ومتهور، دون فهم حقيقي لطبيعة المشكلة أو اللجوء إلى المسارات القانونية الصحيحة.
المحامي بالنقض محمد صلاح الدين زيدان وصف تعامل النقابة مع ملف رسوم الميكنة بـ"المرتبك"، معتبرًا أن الأزمة كانت تتطلب تحركًا قانونيًا عاجلًا عبر الطعن القضائي، بدلًا من "مغامرات التصعيد غير المجدية"، منتقدًا ما اعتبره "منهجًا رعونيًا وتسرعًا في التوصيف والمعالجة".
واتهم زيدان بعض أعضاء المجلس بـ"الخشية على مواقعهم الانتخابية"، مشيرًا إلى أن ذلك دفعهم لتفويض النقيب تفويضًا عامًا، ما أدى إلى تفرد بالقرار وسط "أيدٍ مرتعشة تفتقر للمهارات النقابية والخبرة السياسية"، على حد وصفه.
"انسحاب فجائي ومهزلة الإضراب"
المحامي تامر جمعة، أحد قيادات نقابة المحامين السابقين وعضو سابق بحزب الدستور، انضم إلى سيل الانتقادات مؤكدًا أن "مجلس علام" أنهك المحامين واستنزف طاقاتهم دون جدوى، واصفًا قرار تأجيل الإضراب بأنه "تراجع فجائي بلا مبرر"، أظهر النقابة وكأنها تدفع المحامين إلى معركة ثم تتركهم وحدهم.
وقال جمعة، في منشور على "فيسبوك"، إن "الطامة الكبرى كانت في مهزلة الإضراب، إذ صدر القرار وحدد الموعد ثم جاء التراجع بلا تفسير، وكأن المحامين ألعوبة"، مشيرًا إلى أن المجلس "تخلى عن المعارك الجوهرية التي تستحق الاشتباك النقابي الحقيقي، مثل قانون الإيجار القديم، بينما استنزف النقابة في معركة الرسوم دون أفق واضح".
21 ألف مؤيد.. وقرار لا يُنفذ
يأتي ذلك التراجع رغم أن مجلس النقابة سبق وأعلن تأييد أكثر من 21 ألف محامٍ من أصل نحو 36 ألفًا لإضراب عام يشمل الامتناع عن الحضور أمام المحاكم والنيابات، حسب نتائج استفتاء داخلي، إلا أن القرار لم يُنفذ، ما دفع بعض المحامين إلى التشكيك في جدية المجلس، واتهامه باستخدام أدوات التصعيد كأوراق ضغط إعلامي فقط.