نشرت ميدل إيست آي مقالًا تحليليًا لمحمد إسلامي وإبراهيم المرعشي، حول الاستراتيجية الإيرانية بعد وقف إطلاق النار القصير بين طهران وتل أبيب، مشيرين إلى أن إيران تتعامل معه كفرصة لإعادة التموضع استعدادًا لصراع طويل الأمد.

دخل وقف إطلاق النار الأمريكي الوساطة حيز التنفيذ بعد 12 يومًا من تبادل الضربات بين إسرائيل وإيران، وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو النصر، فيما وصفت طهران ما جرى بأنه "نصر استراتيجي"، كما فعلت في نهاية حربها مع العراق في الثمانينات، رغم إعلان صدام حسين النصر حينها أيضًا.

ترى إيران أن الحرب الأخيرة مثل سابقاتها "مفروضة" عليها بضوء أخضر أمريكي، وتعتمد خطاب "الصبر الاستراتيجي" الذي استخدمته بعد حرب الثمانينات، حين انتظرت لتحول الظروف الدولية لصالحها. في النهاية، الولايات المتحدة دمرت ترسانة صدام في 1991 وأسقطت نظامه في 2003.

وفق هذه الرؤية، يتعامل المسؤولون الإيرانيون مع وقف إطلاق النار الحالي على أنه هدنة تكتيكية لا سلامًا مستدامًا. إيران تستثمر هذه الفترة لإعادة النظر في استراتيجيات الردع، وتحسين قدراتها البحرية والسايبرية، وتطوير موقفها النووي. تُستخدم الهدنة لترتيب الداخل، وإعادة تسليح القوات، وبدء هجوم دبلوماسي قانوني على المستوى الدولي.

لم تمنع أحداث تاريخية مثل تفجيرات 1981 التي قتلت قادة بارزين في طهران، بينهم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، إيران من طرد القوات العراقية من أراضيها، وتستحضر هذه الذاكرة في صوغ خطابها المعنوي بعد كل خسارة كبيرة.

في 13 يونيو 2025، شنت إسرائيل أكبر هجماتها العسكرية على إيران، مستهدفة قادة كبار في الحرس الثوري مثل محمد باقري وحسين سلامي، ورئيس قسم الفضاء أمير علي حاجي زاده، وعدد من العلماء النوويين. رغم ذلك، أطلقت إيران وابلًا من الصواريخ اخترق الدفاعات الجوية الإسرائيلية.

خلال الهدنة، تركز طهران على إعادة بناء وتحديث ترسانتها الصاروخية، خاصة الطرازات المتقدمة مثل "فتح" و"خيبر شکن"، مع تعزيز الدفاعات الجوية تحسبًا لهجمات مباغتة. كما تستعد لشراء منظومة "S-400" الروسية ومقاتلات "سو-35"، وتدرس مقاتلات صينية مثل "J-10" و"J-20". وتُعد طهران افتقارها لطائرات الإنذار المبكر "أواكس" نقطة ضعف حرجة تسعى لتجاوزها عبر صفقات محتملة مع بكين أو موسكو.

تدرك إيران أن النصر في الحروب الحديثة لا يتحقق عبر الصواريخ والطائرات المسيرة فقط، بل يتطلب سلاح جو فعّال وقدرات إنذار مبكر وتنظيم تكتيكي متقدم.

إضافة إلى المسار العسكري، تجهّز إيران ملفًا قانونيًا لرفعه إلى محكمة العدل الدولية، متهمة إسرائيل والولايات المتحدة بشن حرب غير معلنة وانتهاك السيادة الإيرانية عبر استهداف منشآت نووية محمية وفق القانون الدولي.

ترفض طهران العودة إلى مفاوضات الاتفاق النووي في ظل ما تعتبره إشرافًا منحازًا من وكالة الطاقة الذرية بقيادة رافائيل غروسي. ووقع الرئيس الإيراني قانونًا لتعليق التعاون مع الوكالة. وتشير تقارير إلى أن إيران نقلت كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب من منشآت "فوردو" و"نطنز" إلى مواقع غير معلنة قبل الضربات الجوية، ما يضيف عنصرًا ردعيًا خفيًا في أي مواجهة مقبلة.

بذلك، تُعدّ هذه الهدنة فصلًا في قصة غير مكتملة. استراتيجية إيران تقوم على امتصاص الضربة، والرد المحسوب، واستخدام الوقت كسلاح قوة. الصبر الاستراتيجي لا يعني التراجع، بل إدارة حرب نفسية وسياسية طويلة الأمد.

استمرار الهدنة أو انهيارها يتوقف على من يفهم قيمة الوقت أكثر: من يصبر ويخطط، لا من يطلق الصواريخ فقط.

https://www.middleeasteye.net/opinion/after-ceasefire-iran-recalibrating-long-war-israel