نشرت أتلانتيك كاونسل مقالًا للباحث عمرو صلاح محمد، أستاذ النزاعات في جامعة جورج ميسون، يتناول كيف أثّرت حرب غزة بشكل عميق على المشهد السياسي المصري، وأجهضت بوادر انفتاح كانت بدأت تلوح في الأفق.

في مطلع 2023، ظهرت مؤشرات خجولة على انفتاح سياسي محدود في مصر. دفع التدهور الاقتصادي الذي سببه رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي إلى إطلاق حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية، وأعلن حوارًا وطنيًا في مايو شمل أطيافًا مختلفة من القوى المدنية، باستثناء جماعة الإخوان المسلمين. كذلك أُفرج عن بعض المعتقلين، وسُمح لبعض المنفيين بالعودة، وتوسعت المساحة الإعلامية للمعارضة، ووُعد بتقليص سيطرة الدولة على الاقتصاد عبر وثيقة سياسة ملكية الدولة الصادرة في ديسمبر 2022.

أثارت هذه الخطوات آمالًا لدى المعارضة العلمانية بأن تشهد انتخابات الرئاسة في 2023 والبرلمان في 2025 نوعًا من التنافس أو مشاركة أوسع. لكنّ هذه الآمال سرعان ما تبددت بعد اندلاع حرب غزة في 7 أكتوبر 2023، وما تبعها من تصعيد إقليمي، وصور مروعة من القطاع، ومخاوف من تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.

تغيّر المزاج العام في مصر من نقاش الإصلاح إلى التركيز على الأمن القومي. فاز السيسي بولاية ثالثة بنسبة 89.6% دون منافسة حقيقية، تحت شعار "الوحدة الوطنية في مواجهة الحرب غير الإنسانية في غزة"، ومرّت الانتخابات وسط لامبالاة شعبية. حتى سجن النائب السابق أحمد الطنطاوي بعد محاولته الترشح للرئاسة أثار ردود فعل محدودة، في ظل تجاهل النقاش العام لمسألة الإصلاح الانتخابي.

زادت الحرب من انقسام النخبة الفكرية المصرية، التي كانت بالفعل ممزقة بين إسلاميين وعلمانيين، وثوريين وإصلاحيين. أيّدت بعض التيارات اليسارية والقومية والإسلامية تحركات حماس وإيران بوصفها "مقاومة ضد الاستعمار"، بينما أدانتها أطراف ليبرالية ووطنية باعتبارها ممارسات متهورة أضرت بالقضية الفلسطينية، واتهمت إيران بزعزعة استقرار المنطقة.

امتد الاستقطاب إلى الإعلام والمجتمع، وتحوّل إلى تبادل اتهامات بالخيانة، ما عمّق هشاشة المعارضة المصرية. لم يقتصر التأثير على الساحة السياسية، بل طال أيضًا الخطاب الثقافي المرتبط بالديمقراطية، إذ شعر كثيرون بخيبة أمل من عجز الغرب عن إيقاف الجرائم في غزة، مما زعزع ثقة المصريين في القيم الليبرالية الغربية.

أعادت هذه الأحداث إحياء نظريات المؤامرة التي اعتبرت الانتفاضات العربية مؤامرة غربية لتفكيك الدول العربية وتعزيز هيمنة إسرائيل. تبدو اليوم خطط تهجير الفلسطينيين إلى مصر، التي طالما نُظر إليها كأوهام، أكثر واقعية بعد طرحها صراحة من قِبل مسؤولين إسرائيليين وأمريكيين.

في ظل هذه التحولات، استعادت المؤسسة العسكرية في مصر بعضًا من صورتها كحامية الوطن، خاصة مع استدعاء ذكريات الإرهاب في سيناء، والأزمات الإقليمية مثل السودان وغزة، ورفض السيسي استقبال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسبب مقترحات تهجير الفلسطينيين، ورفضه استقبال الفلسطينيين من غزة.

تعزز هذا المشهد بحملات إعلامية تدعو للالتفاف حول القيادة، مما زاد من اتساع الفجوة بين نظام راسخ ومعارضة ضعيفة ومقسّمة. وعلى الرغم من هذه الصورة المطمئنة، لا يزال السيسي قلقًا من التأثير السياسي للقضية الفلسطينية، لا سيما أن حركة الإخوان، رغم تقييد نشاطها، لا تزال تمتلك سرديات تحظى بجاذبية لدى فئات من الشباب.

تستمر هذه السرديات في التأثير، خاصة في ظل تصاعد دعم حماس، وعودة الإسلاميين إلى الواجهة في دول مجاورة مثل الأردن، ما يزيد من قلق النظام في مصر، حتى وإن كانت المظاهرات ممنوعة تمامًا.

ويرى الكاتب أن حرب غزة لم تدمر غزة وحدها، بل مزّقت أيضًا آمال الإصلاح السياسي في مصر، وعمّقت الانقسام، وأضعفت المعارضة، وأعادت ترسيخ صورة الجيش والرئيس كصمام أمان. ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية، يبقى التحدي الأكبر هو: هل تستطيع مصر مقاومة هذا الانحدار نحو الجمود السياسي، أم أن الفرصة للإصلاح السياسي أضحت بعيدة المنال؟ 
 

https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/war-in-gaza-political-reform-in-egypt/