اعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أمس الأربعاء، التقرير النهائي للمراجعة الدورية الشاملة (UPR) الخاصة بسجل حقوق الإنسان في مصر، وسط حالة من الجدل بين الرواية الرسمية التي قدمها الوفد الحكومي المصري، والانتقادات الحادة من منظمات حقوقية محلية ودولية، اتهمت الدولة بتقديم صورة "افتراضية" لا تعكس الواقع الحقوقي المتدهور.

ففي جلسة علنية خُصصت لمناقشة التقرير، أعلن السفير علاء حجازي، الممثل الدائم لمصر لدى الأمم المتحدة في جنيف، أن بلاده قبلت 281 توصية من أصل 343 توصية قدمتها الدول الأعضاء، بما يعادل نحو 82% من الإجمالي، مشيرًا إلى أن 45 توصية منها "نُفذت بالفعل"، في حين "أُحيط علمًا بـ62 توصية أخرى" لم تُقبل بسبب ما وصفه بتعارضها مع الخصوصية الوطنية أو احتوائها على معلومات غير دقيقة.

 

قضايا شائكة في قلب التوصيات

وكانت 137 دولة قد تقدمت خلال جلسة الاستعراض التي عُقدت في يناير الماضي، بأكثر من 370 توصية تتعلق بمجموعة واسعة من القضايا، أبرزها الاعتقال التعسفي، الإخفاء القسري، الحبس الاحتياطي المفتوح، حرية الصحافة، الاستقلال القضائي، حقوق النساء والأقليات، والتضييق على المجتمع المدني، وهو ما وصفه مراقبون بأنه "أشد استعراض أممي لسجل القاهرة الحقوقي منذ سنوات".

وفي كلمته خلال الجلسة، شدد السفير حجازي على "التزام مصر بدستورها الذي ينص على احترام حقوق الإنسان"، مؤكدًا أنه "لا يوجد في مصر أي شخص محبوس خارج إطار القانون"، وأن النيابة العامة "تتوسع في استخدام بدائل الحبس الاحتياطي".

كما أشار إلى جهود "إصلاحية" قال إنها تجري حاليًا، من بينها تطوير فلسفة العقاب بإنشاء مراكز إصلاح وتأهيل، وتعزيز تمثيل المرأة في القضاء والمناصب التنفيذية، ودمج حقوق ذوي الإعاقة ضمن السياسات الوطنية، لافتًا إلى أن عقوبة الإعدام تُطبق في أضيق الحدود، وتخضع لضمانات المحاكمة العادلة.

 

معارضة داخلية: "حكومة تتحدث عن دولة غير موجودة"

لكن هذا السرد الرسمي قوبل بردود نارية من منظمات حقوقية، اعتبرت أن الحكومة "تحاول تسويق صورة مزيفة عن الأوضاع"، بحسب ما قاله حسام بهجت، المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية.

وفي مداخلة حادة اللهجة أمام المجلس، قال بهجت: "معظم المصريين يتمنون الانتقال للعيش في مصر التي تصفها الحكومة في تقريرها.. هذه الدولة التي تحترم حرية التنظيم وتحمي المدافعين عن حقوق الإنسان وتكفل حرية التعبير". وتابع: "لكن الواقع شيء آخر تمامًا.. هناك انتهاكات ممنهجة تطال كل مناحي الحياة، وتضييق متزايد على الحقوق والحريات الأساسية".

واتهم بهجت الحكومة بالكذب العلني، قائلاً إن "الادعاء بعدم وجود سجناء سياسيين يتناقض حتى مع وجود لجنة العفو الرئاسي التي أعلن عنها السيسي نفسه، والتي تُعنى بملفات عشرات الآلاف من المحبوسين على خلفية سياسية".

وكانت المبادرة المصرية قد تقدمت بخمسة تقارير مفصلة إلى آلية الاستعراض، منها تقارير فردية وجماعية شاركت فيها منظمات دولية، تناولت الانتهاكات داخل منظومة العدالة الجنائية، وتدهور أوضاع النساء والفتيات، وتقييد الحريات الرقمية، وحرية التعبير والإعلام، واستخدام قوانين الإرهاب لتجريم العمل الحقوقي.

 

نقابة الصحفيين والمواقع المحجوبة

من جهتها، جددت نقابة الصحفيين مطالبها بالإفراج عن الصحفيين المحبوسين احتياطيًا، والمتهمين في قضايا رأي أو تضامن مع فلسطين، مشيرة إلى أن مصر تحتل المرتبة السادسة عالميًا في عدد الصحفيين السجناء خلال العام الماضي، والذين بلغ عددهم 24 صحفيًا، بينهم رسام الكاريكاتير أشرف عمر، المعتقل منذ يوليو 2024.

 

البهائيون.. أزمة صامتة تتصدر الجلسة

وفي مداخلة أثارت اهتمام الحضور، تحدثت صبا حداد، ممثلة الجامعة البهائية العالمية، عن ما وصفته بـ"التمييز المنهجي" ضد البهائيين في مصر، مشيرة إلى أن الدولة ترفض حتى الآن الاعتراف بزواجهم، مما يحرمهم من حقوق أساسية كإثبات النسب والتعليم والتطعيم والميراث.

وكشفت حداد عن أن "أمًا بهائية تواجه خطر الترحيل والانفصال عن أطفالها"، بسبب رفض السلطات منحها الجنسية المصرية، رغم توافر الشروط القانونية.

وسبق أن أصدرت الجامعة البهائية العالمية، التي تتمتع بصفة استشارية في المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة، بيانًا في نوفمبر الماضي، تحدثت فيه عن تصاعد المضايقات الأمنية بحق البهائيين في مصر، ومراقبة تجمعاتهم وحرمانهم من استخدام مقابرهم الخاصة.

 

دعوات لمراجعة الإعدام والحبس الاحتياطي

وفي كلمته، دعا محمود كارم، رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر، إلى "مراجعة تطبيق عقوبة الإعدام"، وضمان قصرها على الجرائم بالغة الخطورة، والالتزام بكافة ضمانات العدالة. كما طالب "بتقليص مدد الحبس الاحتياطي"، داعيًا لإيجاد بدائل له، وضمان رقابة قضائية فعالة على أماكن الاحتجاز.

كما طالب بتمديد الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان لتغطي الفترة بين 2026 و2030، مع وضع آليات قياس ومؤشرات واضحة، إلى جانب تعديل قانون المجلس القومي لتعزيز استقلاليته.