أعلن رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي، في مؤتمر صحفي عقد يوم الاثنين 24 يونيو 2025، عن استمرار العمل بخطة ترشيد استهلاك الكهرباء خلال الفترات المقبلة، مؤكداً: "لن يكون هناك تخفيف أحمال"، في إشارة إلى وعود الحكومة بعدم اللجوء إلى انقطاع التيار كما حدث في صيف 2023 و2024، ومع أن التصريحات تبدو إيجابية ظاهرياً، فإن السياسات الفعلية تنبئ بعكس ذلك، وتؤكد أن المواطن هو المتضرر الأول من هذا الترشيد الذي لا يطال الأجهزة السيادية ولا المصالح الاستثمارية الكبرى.
ما وراء خطة الترشيد.. استمرار سياسة التقشف
بحسب مدبولي، فإن الخطة تستند إلى «ترشيد استهلاك الكهرباء في المباني الحكومية، وتقليل الإضاءة العامة، وتشغيل المولدات الاحتياطية في بعض المنشآت»، لكن لم يوضح المؤتمر تفاصيل ما إذا كانت القطاعات الصناعية والتجارية الكبرى المملوكة غالباً للجيش أو مستثمرين مقربين من النظام ستخضع فعلياً لنفس القيود.
تشير وثائق حكومية حصل عليها باحثون في مركز «النداء للحقوق» إلى أن استهلاك مؤسسات الدولة السيادية للكهرباء لم ينخفض إلا بنسبة 4% خلال فترة الصيف الماضي، بينما طُلب من المحليات تقليل استهلاكها بنسبة تتجاوز 25%، وقد وصف الباحث الاقتصادي الدكتور أحمد عبدالجواد هذا النهج بـ«الترشيد الانتقائي» الذي «يُحمّل المحليات والمواطنين العبء الأكبر، دون أي مساس بمراكز النفوذ».
تصريحات رسمية متضاربة.. لا انقطاعات لكن لا كهرباء كافية
مدبولي شدد على أنه «لن يكون هناك تخفيف أحمال»، بينما كانت وزارة الكهرباء قد أصدرت بياناً قبل أسبوع من المؤتمر تعلن فيه الاستمرار في "الجدول الوقائي"، وهو الاسم الجديد لتخفيف الأحمال، وتشير تقارير محلية إلى أن العديد من المحافظات الريفية في الدلتا والصعيد، مثل المنيا وسوهاج وكفر الشيخ، شهدت بالفعل انقطاعات يومية لمدة تتراوح بين ساعة إلى ساعتين، وسط ارتفاع درجات الحرارة التي تجاوزت 42 درجة مئوية في بعض المناطق.
الدكتور حازم حسني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة سابقاً، وصف تصريحات حكومة الانقلاب بأنها «أكاذيب ناعمة»، موضحاً أن النظام «يعيد إنتاج فشله في شكل وعود زائفة للتهدئة المجتمعية، بينما الواقع يشهد عكس ذلك».
الضغط الأكبر لهذا الترشيد يطال المواطن البسيط، حيث أن انخفاض كفاءة شبكة الكهرباء المحلية يجعل الانقطاعات أكثر شدة في المناطق المهمشة، كما أن تقليل إضاءة الشوارع أدى إلى تزايد حالات التحرش والسرقة الليلية، وفق تقرير لـ"مؤسسة الحق في المدينة"، والتي أكدت أن 38% من سكان بعض أحياء الجيزة الشعبية باتوا يرفضون الخروج ليلاً بسبب الظلام الحالك.
من ناحية أخرى، أظهرت دراسة للمركز المصري للسياسات العامة أن استهلاك الأسرة المصرية للكهرباء انخفض بنسبة 11% خلال عام 2024 نتيجة الخوف من فواتير مرتفعة، وليس بدافع الترشيد الواعي، ورغم هذا، ارتفعت فواتير الكهرباء بنسبة 22% في المتوسط العام الماضي، مما يدل على أن الحكومة تستغل الأزمة لزيادة الإيرادات لا لضبط الاستهلاك فقط.
ترشيد.. من أجل الغاز أم من أجل التصدير؟
من أبرز أسباب خطة الترشيد، حسب تصريحات حكومية، هو تقليل الاعتماد المحلي على الغاز الطبيعي، ما يسمح بتصديره وجني العملة الصعبة، وفي هذا السياق، أعلن وزير البترول طارق الملا في مايو 2025 أن مصر صدّرت ما يقارب 5 ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال في عام 2024، بقيمة بلغت نحو 6.8 مليار دولار.
ويقول الخبير الاقتصادي مصطفى يوسف: "الحكومة اختارت تصدير الغاز بدلًا من تلبية احتياجات المواطنين منه، بهدف دعم ميزان المدفوعات، لكنها أغفلت أن المواطن يواجه انقطاعًا وتراجعًا في جودة الخدمات بسبب هذه السياسات".
رأي الباحثين والتقارير الدولية
أكد تقرير لمنظمة العفو الدولية صدر في مارس 2025 أن الحكومة المصرية "تتخذ إجراءات تقشفية تمسّ الخدمات الأساسية دون شفافية، ودون إشراك المجتمع المدني أو البرلمان"، كما حذرت المنظمة من أن "انعدام العدالة في توزيع أعباء الترشيد يعمق الفجوة الاجتماعية، ويؤدي إلى مزيد من التوتر في الشارع المصري".
من جهته، أشار الدكتور حسام عيسى، الأكاديمي ووزير التعليم العالي الأسبق، إلى أن "الإدارة الفاشلة للموارد تكرّس لفكرة أن النظام الحاكم عاجز عن تحقيق تنمية مستدامة، ويكتفي بإجراءات مؤقتة تعيد إنتاج الأزمة".
تخفيف الحقيقة لا الأحمال
رغم إعلان مدبولي بعدم وجود "تخفيف أحمال"، فإن الواقع يكشف استمرار سياسة الانقطاع، وتوسع خطة الترشيد بشكل يؤثر سلباً على المواطن العادي، كما أن الدافع الحقيقي، وفق معظم التحليلات المستقلة، هو تصدير الغاز لدعم الاحتياطي الأجنبي على حساب الخدمات الأساسية.
في ظل غياب الشفافية، وعدم خضوع هذه السياسات لأي مساءلة شعبية أو برلمانية حقيقية، تبقى خطة الترشيد مثالاً لما يُسمى بـ«سياسات الإنهاك المتعمد» التي تنتهجها حكومة الانقلاب بقيادة السيسي، حيث يتحمل الفقراء وحدهم تكلفة الفشل الحكومي في إدارة الموارد والطاقة.