تجمع العشرات من أهالي حي السيدة زينب، صباح الثلاثاء 18 يونيو 2025، في وقفة احتجاجية أمام مشروعي "روضة السيدة 1 و2"، مطالبين بتسليمهم الشقق التي وعدتهم بها الدولة منذ أكثر من خمس سنوات، بعد أن تم إخلاؤهم قسريًا من منازلهم القديمة عام 2019 ضمن مشروع "تطوير العشوائيات"، وعلى الرغم من التهليل الرسمي للمشروع حينها بوصفه نموذجًا لتطوير المناطق غير المخططة، إلا أن الواقع اليوم يشير إلى مأساة إنسانية متواصلة تعانيها عشرات العائلات.
مشروع روضة السيدة 1 و2.. إنجازات متأخرة
انطلق مشروع روضة السيدة 1 (المعروف سابقًا بتل العقارب) منذ حوالي 4 سنوات، وتم الانتهاء من تشطيباته الخارجية والداخلية، مع تصميم معماري يمزج الطابع الإسلامي بالحداثة، بما يتناسب مع طابع حي السيدة زينب التاريخي.
أما مشروع روضة السيدة 2، الذي يقع على مساحة حوالي 6 أفدنة في قلب القاهرة، فقد تم الانتهاء من تشطيباته مؤخرًا في يوليو وأغسطس 2024، حيث تضم 9 عمارات سكنية (أرضي + 5 أدوار) مع مرافق خدمية وتجارية، ومن المقرر تسليم الشقق للأهالي قريبا بعد تأخير استمر لأكثر من خمس سنوات.
رغم إعلان حكومة الانقلاب انتهاء التشطيبات وبدء إجراءات التسليم، إلا أن الأهالي يعبرون عن استيائهم من التأخير الطويل الذي عانوه، خاصة أنهم أُجبروا على الإخلاء القسري منذ سنوات دون تعويضات كافية أو سكن بديل مناسب خلال فترة الانتظار.
الإخلاء القسري باسم "التطوير"
في عام 2019، أطلقت حكومة الانقلاب المصرية مشروع "روضة السيدة"، بإشراف مباشر من صندوق تطوير العشوائيات وهيئة المجتمعات العمرانية، وتم تهجير أكثر من 600 أسرة من سكان منطقة تل العقارب بالسيدة زينب، إحدى أقدم المناطق السكنية في قلب القاهرة، بحجة "تطوير المنطقة وجعلها آمنة".
وقد وعدت سلطات الانقلاب هؤلاء السكان بالعودة إلى مساكن حديثة بعد عامين فقط، غير أن السنوات مضت دون أي تسليم، وسط ظروف معيشية قاسية للمهجرين الذين توزعوا بين الإيجارات المؤقتة أو الإقامات عند الأقارب.
الوعود الرسمية وتجاهل المطالبات
في خطاب ألقاه زعيم الانقلاب عبد الفتاح السيسي في سبتمبر 2020، خلال افتتاح أحد مشروعات الإسكان الاجتماعي، صرّح: "مفيش حد هيتشرد، ومفيش حد هنسيبه في الشارع، وكل واحد اتشال من مكانه هيرجع لشقة أحسن."، ومع ذلك، فإن أهالي السيدة زينب لم يروا شيئًا من هذه الوعود، رغم مرور أكثر من خمس سنوات.
وقال أحد المحتجين، ويدعى عم محمد حسن (62 عامًا): "إحنا مش بنشحت، دي بيوتنا، خرجونا منها بالعافية وقالوا استنوا سنتين، دلوقتي خمس سنين عدوا ومفيش حاجة."
أين ذهبت الميزانيات؟
بحسب بيانات رسمية صادرة عن وزارة الإسكان في 2021، بلغت تكلفة مشروع "روضة السيدة 1" حوالي 330 مليون جنيه مصري، وخصصت الدولة نحو 500 مليون أخرى لـ "روضة السيدة 2"، كما أعلنت الوزارة في 2023 عن انتهاء أكثر من 90% من أعمال البناء، لكن دون تحديد موعد فعلي للتسليم.
ووفقًا لمراقبين محليين، فإن تأخر التسليم يعود إلى سوء الإدارة، فضلاً عن شبهات الفساد وإعادة توجيه التمويل لمشاريع دعائية أخرى مثل العاصمة الإدارية الجديدة.
صمت إعلامي وتضييق أمني
على الرغم من أن الوقفة كانت سلمية، إلا أن تغطية الإعلام الحكومي كانت غائبة كليًا، بينما أفادت مصادر محلية أن قوات الأمن حضرت إلى الموقع وطلبت من المحتجين "فضّ الوقفة فورًا"، وهددت بعض المشاركين بالاعتقال في حال استمرار الاعتصام، وهذا يعكس التوجه السلطوي لنظام السيسي في التعامل مع الاحتجاجات، حتى تلك التي ترتبط بحقوق إنسانية بديهية كمطلب الحصول على سكن بديل.
سياسات التهجير والإفقار
تعتبر واقعة "روضة السيدة" نموذجًا مصغرًا للنهج الذي يتبعه النظام الحالي في "تطوير" المناطق السكنية القديمة. فبدلاً من المشاركة المجتمعية أو توفير بدائل حقيقية للسكان، يتم اللجوء إلى الإخلاء القسري والتأجيل الممنهج، مع استخدام الإعلام كأداة للترويج فقط دون مساءلة حقيقية.
وقد وثقت منظمات مثل "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية" عدة حالات مشابهة في مناطق مثل مثلث ماسبيرو، جزيرة الوراق، وعزبة أبو قرن، وكلها اتبعت نفس الأسلوب: إخلاء بالقوة، وعود بالتعويض أو العودة، ثم سنوات من الإهمال والصمت الرسمي.
أصوات تتحدى القمع
رغم التضييق الأمني، برزت في الوقفة أصوات تنادي بالعدالة والمساءلة، وقالت إحدى المشاركات وتدعى أم آية (44 عامًا): "إحنا ناس غلابة، بس عندنا كرامة، تعبنا من العيشة بالإيجار، وتعبنا من الوعود اللي ما بتتنفذش"، وأضافت أخرى: "كان عندنا بيوت، دلوقتي ما عندناش لا بيت ولا صوت."
مشروع روضة السيدة... من حلم إلى كابوس
تحولت مشاريع مثل "روضة السيدة" من حلم بتحسين الحياة إلى كابوس طويل الأمد لأهالي الأحياء التاريخية في القاهرة. ومع كل يوم تأخير، تزداد المأساة، ليس فقط بفعل الإهمال الإداري بل أيضًا بسبب نظام لا يعترف بالحق في السكن كحق إنساني أساسي. وفي ظل غياب أي مساءلة أو شفافية، يبقى السؤال معلقًا: إلى متى ستظل الوعود بلا تنفيذ؟ وإلى متى سيظل المواطن المصري ضحية دعاية بلا واقع؟