أعلن رئيس لجنة الشؤون الصحية بمجلس النواب المصري التابع لنظام الانقلاب عبد الفتاح السيسي، في جلسة يونيو 2025، أن موازنة وزارة الصحة للعام المالي 2025-2026 بلغت 606 مليارات جنيه، مدعياً أنها "الأكبر على الإطلاق"، بحسب تعبيره، مؤكدًا أن هذه الزيادة تعكس "أولوية الدولة للصحة والتعليم"، هذا الإعلان يأتي ضمن مشروع الموازنة العامة الذي صدّق عليه مجلس النواب في 18 يونيو 2025، وتبدأ الموازنة تطبيقًا من أول يوليو.

لكن، هل تعكس هذه الزيادة تحولًا جذريًا في سياسات الدولة تجاه القطاع الصحي؟ وهل بالفعل تفوق ما اعتمدته الحكومات المنتخبة سابقًا، كما في عهد برلمان الثورة عام 2012؟

 

تفاصيل الموازنة الجديدة ومقارنتها بالسابق

وفقًا لتقرير وزارة المالية المنشور ضمن البيان التمهيدي للموازنة، فإن توزيع موازنة الصحة للعام الجديد يشمل:

  • 150 مليار جنيه أجور وتعويضات للعاملين.
  • 72 مليار جنيه لدعم الأدوية والمستلزمات الطبية.
  • 54 مليار جنيه لإنشاء وتطوير المنشآت الصحية.
  • 280 مليار جنيه مخصصة لمبادرات الرئاسة "حياة كريمة" و"100 مليون صحة" وغيرها.

وبالمقارنة، فقد كانت موازنة الصحة في عام 2021-2022 تبلغ نحو 108 مليارات جنيه، وفي 2023-2024  بلغت 247 مليار جنيه، ما يعني أن الموازنة قد زادت بأكثر من 140 %  خلال عامين، وهو رقم كبير على الورق.

لكن خبراء يؤكدون أن هذه الزيادات لا تعكس تحسنًا فعليًا في جودة الخدمات الصحية، بل تتأثر بعوامل مثل التضخم الكبير وانخفاض قيمة الجنيه، ما يجعلها زيادة اسمية وليست حقيقية.

من الناحية الاقتصادية، الموازنة العامة للدولة للعام 2025-2026 بلغت 4.573 تريليون جنيه بمصروفات مقابل إيرادات 3.119 تريليون جنيه، مع عجز مالي كبير يصل إلى 1.454 تريليون جنيه (حوالي 28.9 مليار دولار)

 

الأرقام لا تعكس تحسنًا فعليًا

الدكتور محمد رفعت النجار، أستاذ الاقتصاد الصحي بجامعة لندن، يوضح أن "مضاعفة موازنة الصحة لا يعني بالضرورة تحسنًا في الخدمة، إذا لم تُوزع الموارد بعدالة أو تُصرف في أولويات حقيقية، لا مشاريع دعائية"، ويضيف أن "الدولة أنفقت المليارات على مبادرات دعائية مثل حملة "100 مليون صحة"، بينما تعاني المستشفيات العامة من نقص الأطباء والأدوية وأجهزة الرعاية المركزة".

ويؤكد تقرير صادر عن مركز كارنيغي للشرق الأوسط عام 2024، أن "مصر تعاني من واحدة من أدنى نسب الإنفاق الصحي الحقيقي للفرد في المنطقة، مقارنة بمعدل الدخل".

 

مقارنة مع موازنة الصحة في عهد برلمان الثورة 2012

في العام المالي 2012-2013، الذي وافق عليه برلمان الثورة المنتخب ديمقراطيًا، بلغت موازنة وزارة الصحة 27.5  مليار جنيه، تمثل حينها 5.2%  من إجمالي الموازنة العامة، وهي نسبة قريبة من المعدل الدستوري المحدد بحد أدنى 3% من الناتج القومي الإجمالي للصحة، حسب المادة (18) من الدستور.

ورغم ضعف الرقم من حيث القيمة الاسمية مقارنة بالحالي، إلا أن النسبة المخصصة للصحة وقتها كانت أعلى من نسب موازنات السيسي إذا ما قورنت بالناتج القومي.

فموازنة الصحة عام 2025-2026 تمثل حوالي 4.7% فقط من الموازنة العامة للدولة، التي بلغت نحو 12.9 تريليون جنيه.

ويؤكد الدكتور أحمد الشرقاوي، الباحث في الشأن الصحي بمركز التحرير لسياسات الشرق الأوسط، أن "برلمان الثورة وضع موازنة متوازنة نسبيًا رغم الظروف السياسية، واعتمد سياسة دعم أساسي للمستشفيات العامة، بينما ركز السيسي على توسعات شكلية ومشروعات استعراضية".

 

أسباب ودوافع الزيادة في عهد السيسي

يرى عدد من الباحثين أن سبب الإعلان عن "أكبر موازنة صحية" يعود إلى محاولة النظام امتصاص الغضب الشعبي المتزايد في ظل التدهور المعيشي وارتفاع أسعار الدواء والرعاية الصحية، خاصة بعد موجات التضخم في 2024 والتي بلغت نسبتها أكثر من 45 %  سنويًا، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

كما يأتي هذا الترويج في إطار محاولة تهدئة الانتقادات الموجهة من صندوق النقد الدولي، والذي طالب حكومة الانقلاب بزيادة مخصصات الصحة والتعليم ضمن خطط الحماية الاجتماعية، كشرط لمواصلة دعمها المالي لمصر.

 

أرقام غير دقيقة وواقع منهار

يؤكد الدكتور حازم عبد العظيم، أستاذ السياسات العامة، أن "ما يسمى أكبر موازنة لا ينعكس على حياة المواطنين، لا تزال قوائم الانتظار في المستشفيات العامة تصل إلى 6 أشهر في بعض التخصصات، ونقص الأدوية المزمن مستمر"، ويضيف: "الإنفاق الفعلي غير خاضع للرقابة البرلمانية الحقيقية، والفساد الإداري يلتهم ما تبقى من الدعم".

وفي السياق ذاته، تشير بيانات "مؤسسة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" إلى أن نسبة إنفاق الأسر على الصحة تجاوزت 62% من إجمالي الإنفاق الصحي في البلاد، وهو ما يخالف المعايير الدولية التي تحدد النسبة الآمنة بأقل من 30%.

 

رغم الزيادة الظاهرة في موازنة الصحة بمصر، إلا أن الواقع يشي بعكس ما يروج له النظام، زيادة الأرقام لا تعني بالضرورة تحسنًا في الأداء، خاصة في ظل غياب الشفافية، والتضخم المتسارع، وسوء توزيع الموارد، كما أن هذه الموازنة تُستخدم كأداة ترويج سياسي أكثر من كونها خطة إصلاح حقيقية للقطاع الصحي المتدهور.

وتبقى المقارنة مع موازنة برلمان الثورة 2012 تكشف أن النظام الحالي يبالغ في الأرقام، لكنه لا يملك الإرادة السياسية لتحقيق عدالة صحية أو تحسين فعلي في مستوى الخدمات للمواطنين.