في خطوة جديدة ضمن خطط حكومة الانقلاب المصرية لتعزيز التحول الرقمي، أعلنت وزارة التربية والتعليم بحكومة الانقلاب، في 15 يونيو 2025، بدء تفعيل مبادرتي "براعم مصر الرقمية" و"أشبال مصر الرقمية"، بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
تستهدف المبادرتان طلاب المرحلة الابتدائية (من الصف الثالث) والإعدادية، وتسعى إلى بناء قدرات تكنولوجية مبكرة وتنمية مهارات البرمجة والذكاء الاصطناعي.
ورغم الإعلان الحكومي الرسمي الانقلابي، يثور جدل واسع حول مدى واقعية هذه المبادرات في ظل أزمة التعليم المصرية المتراكمة، حيث تعاني المدارس الحكومية من تكدس الفصول، ضعف البنية التحتية، وغياب العدالة الرقمية.
تفاصيل المبادرتين: طموح في الشكل.. غموض في المضمون
تهدف مبادرة "براعم مصر الرقمية" إلى تقديم محتوى تفاعلي مبسط لتعليم مبادئ الحوسبة والتفكير المنطقي والبرمجة لطلاب المرحلة الابتدائية، عبر منصات إلكترونية تحت إشراف وزارة الاتصالات، باستخدام أدوات مرئية مثل Scratch وBlockly.
أما مبادرة "أشبال مصر الرقمية"، فتركز على طلبة المرحلة الإعدادية، وتستهدف تعليمهم مهارات متقدمة نسبيًا في تصميم المواقع وتطبيقات الذكاء الاصطناعي والروبوتات.
وقد أعلنت الوزارتان أن المبادرتين ستبدأان تجريبيًا في10 محافظات، منها القاهرة، الإسكندرية، الجيزة، المنوفية، وأسيوط، على أن يتم تعميمها على مستوى الجمهورية بحلول العام الدراسي 2026/2027.
التقارير الحكومية.. أرقام وردية وواقع رمادي
صرّح وزير التعليم الدكتور محمد عبداللطيف بأن "هذه المبادرات تأتي لتأهيل جيل رقمي قادر على المنافسة في سوق العمل العالمي"، مضيفًا أن "أكثر من 500 ألف طالب سيستفيدون خلال العام الأول من التنفيذ".
أما وزير الاتصالات الدكتور عمرو طلعت، فقد أكد في مؤتمر صحفي أن "الحكومة خصصت 800 مليون جنيه لدعم البنية الرقمية في المدارس المشاركة بالمبادرة".
رغم هذه التصريحات المتفائلة، تقرير لـ"المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" صدر في مايو 2025 كشف أن 62 % من المدارس الحكومية تفتقر إلى بنية تحتية مؤهلة للتحول الرقمي، وأن 52% من طلاب مصر لا يمتلكون أجهزة حاسوب أو اتصال منتظم بالإنترنت، ما يجعل فرص استفادتهم من هذه البرامج الرقمية محدودة أو معدومة.
كما رصد تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في نهاية 2024 أن متوسط عدد الطلاب في الفصل الواحد يتجاوز 56 طالبًا في المرحلة الابتدائية، وهو ما يعوق أي عملية تعليم تفاعلي جاد.
مبادرات معزولة عن جذور الأزمة
يرى الدكتور كمال مغيث، الخبير التربوي، أن "التحول الرقمي يجب أن يكون تتويجًا لإصلاح تعليمي شامل، لا قفزة في الهواء"، مؤكدًا أن "أطفالًا يجلسون على الأرض في فصول بلا كهرباء، كيف سيتعلمون برمجة؟".
وأضاف أن "المبادرة تفتقر لرؤية تربوية متكاملة، وتركز على مظهر رقمي بلا مضمون تعليمي فعلي".
أما الخبيرة الاقتصادية الدكتورة هدى عبد الناصر، فأشارت إلى أن "الإنفاق على المبادرات الرقمية يأتي في وقت تعاني فيه الموازنة العامة من عجز يتجاوز 1.2 تريليون جنيه، بينما تتدهور مرتبات المعلمين الذين يشكلون العمود الفقري لأي عملية تطوير".
مشاريع دعائية في سياق قمعي
من جانبها، اعتبرت "الحركة المدنية الديمقراطية" أن المبادرات الرقمية ما هي إلا واجهة إعلامية لتغطية فشل النظام في معالجة أزمة التعليم، وفي بيان لها بتاريخ 17 يونيو 2025، وصفت المبادرتين بأنهما "محاولة فاشلة لتجميل واقع تعليم متهالك"، مستشهدة بتقارير البنك الدولي التي أشارت في 2023 إلى أن مستوى التحصيل العلمي للطلاب المصريين في القراءة والرياضيات أقل من المتوسط الإقليمي بنسبة 38%.
ويؤكد الناشط في شؤون التعليم، أحمد الصاوي، أن النظام "يستخدم التحول الرقمي كشعار فضفاض دون إرادة حقيقية للإصلاح"، مشيرًا إلى أن مصر تحت حكم السيسي فشلت في تحقيق أهداف التعليم ضمن خطة التنمية المستدامة 2030.
هل تنهض التكنولوجيا فوق أنقاض النظام التعليمي؟
على الورق، تبدو مبادرتا "براعم" و"أشبال" خطوتين إيجابيتين نحو تعليم عصري، لكن الواقع المرير للمدارس الحكومية المصرية، المحاصرة بالأزمات، قد يحول دون نجاحهماÇ
في بيئة تعليمية تعاني من نقص المعلمين، انهيار البنية التحتية، وغياب الحرية الأكاديمية؛
يبقى السؤال مطروحًا: هل يمكن أن تنجح مشاريع رقمية حكومية في ظل غياب الحد الأدنى من مقومات العدالة التعليمية؟
الإجابة؛ هي أن الرقمنة في التعليم لن تكون أكثر من ديكور سياسي، ما لم يسبقه إصلاح جذري للنظام برمّته.
المصادر:
- بيانات وزارة التعليم المصرية – يونيو 2025
- تقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية – مايو 2025
- البنك الدولي – تقرير التعليم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 2023
- تصريحات إعلامية لكمال مغيث وهدى عبد الناصر
- بيان الحركة المدنية الديمقراطية – 17 يونيو 2025