في الوقت الذي تعاني فيه مصر من أزمات اقتصادية خانقة في عهد قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، تعود المقارنات مجددًا بين ما كانت عليه الأوضاع الاقتصادية في عهد الرئيس الشهيد محمد مرسي (2012–2013)، وما آلت إليه الأمور منذ انقلاب يوليو 2013 وحتى اليوم، وبنظرة تحليلية مدعومة بالأرقام والتقارير، يتضح أن سياسات السيسي، رغم الدعم الدولي الهائل، قد قادت البلاد إلى مستويات غير مسبوقة من التضخم، الديون.
فقد تلقى مرسي السلطة في فترة حرجة عقب ثورة 25 يناير 2011، حيث كان الاقتصاد يعاني من إرث سياسات اقتصادية متراكمة منذ عهد مبارك، بالإضافة إلى تداعيات سياسية وأمنية أثرت على الاستقرار الاقتصادي.
دراسة مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات تشير إلى أن الأوضاع الاقتصادية في عهد مرسي كانت أفضل نسبياً مما كانت عليه في عهد السيسي، رغم التحديات الكبيرة التي واجهها، مثل أزمة زراعة القمح التي تأثرت بسياسات التبعية الاقتصادية والفساد المتراكم.
النمو الاقتصادي والدين العام.. أرقام مفزعة
في عهد مرسي، بلغ الدين الخارجي لمصر نحو34.4 مليار دولار فقط في منتصف 2013، بحسب بيانات البنك المركزي المصري.
أما في عهد السيسي، فقد تجاوز الدين الخارجي 165 مليار دولار في بداية 2025، وفق تقارير صندوق النقد الدولي، أي أنه تضاعف أكثر من4 مرات.
الدين المحلي بدوره قفز من حوالي1.4 تريليون جنيه في 2013 إلى أكثر من6.2 تريليون جنيه في 2024، مع فوائد سنوية تُرهق الموازنة، حيث تجاوزت خدمة الدين العام 54 % من إجمالي الإنفاق الحكومي، وفقًا لوزارة المالية.
وعلّق الخبير الاقتصادي الدكتور علاء الدين شكري في ورقة منشورة بمركز كارنيغي أن "الاقتراض المفرط في عهد السيسي لم يوجه للإنتاج أو التصنيع بل لمشروعات ذات جدوى اقتصادية مشكوك فيها، مثل العاصمة الإدارية".
التضخم ومعيشة المواطن.. من أزمات إلى كوارث
بين عامي 2012 و2013، كانت معدلات التضخم السنوي تدور حول 6.9 %، في المقابل؛ شهد عهد السيسي تضخمًا غير مسبوق، بلغ ذروته في عام 2023 بمعدل 35.7 % بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
متوسط أسعار المواد الغذائية ارتفع بنسب تتراوح بين 300 % إلى 700% منذ 2014، إذ وصل سعر كيلو الأرز إلى 45 جنيهًا بعد أن كان لا يتجاوز4 جنيهات في عهد مرسي، بينما قفز سعر الدواجن من 12 جنيهًا للكيلو إلى ما يزيد عن 85 جنيهًا في 2025.
أما الحد الأدنى للأجور، فرغم رفعه تدريجيًا، إلا أنه لم يُواكب معدل التضخم، فقد بلغ في عهد السيسي 6000 جنيه في 2025، لكنه عمليًا أقل في القوة الشرائية من الحد الأدنى البالغ 1200 جنيه في عهد مرسي عام 2013، حسب دراسة منشورة في موقع “مدى مصر” تقارن بين القيم الفعلية للجنيه المصري.
الاحتياطي النقدي والاستقرار المالي
بلغ الاحتياطي النقدي في نهاية عهد مرسي نحو 16.7 مليار دولار، رغم اضطرابات سياسية واضحة، بينما تجاوز في عهد السيسي 34 مليار دولار، لكنه تحقق عبر القروض وودائع الخليج، وليس من فوائض إنتاجية أو صادرات، كما يوضح الباحث الاقتصادي إبراهيم نوار في مقاله الأخير.
وبعد 3 devaluations للجنيه منذ 2016، باتت قيمة الجنيه تتراجع بشدة من 7 جنيهات للدولار عام 2013 إلى ما يتجاوز 50 جنيهًا في السوق السوداء مطلع 2025، ما أدى إلى فقدان الثقة بالعملة المحلية وانخفاض مدخرات المصريين.
مشروعات وهمية أم استثمارات حقيقية؟
أحد أبرز الفروق بين العهدين أن حكومة مرسي كانت قد شرعت في خطوات لدعم الاستثمار الزراعي والصناعي، على رأسها مشروع زراعة مليون فدان في جنوب الوادي.
بينما اتجهت حكومة السيسي إلى التركيز على مشاريع البنية التحتية الضخمة مثل تفريعة قناة السويس بتكلفة أكثر من 8.4 مليار دولار والعاصمة الإدارية بتكلفة تتجاوز58 مليار دولار بحسب تقارير البنك الدولي.
وهي مشاريع وُصفت بأنها "استعراضات سياسية أكثر من كونها تنمية مستدامة"، بحسب تقرير لمركز الدراسات الاستراتيجية الأمريكي (CSIS) صدر في مارس 2024.
صندوق النقد والتقشف: كلفة الخضوع الكامل
في عهد مرسي، لم تُبرم مصر اتفاقًا مع صندوق النقد، ورفضت حكومته شروطه الصارمة.
أما في عهد السيسي، فقد تم توقيع 3 اتفاقيات رئيسية منذ 2016، شملت تعويم الجنيه، رفع الدعم، وزيادة الضرائب، وهي شروط أدت إلى تدهور الأوضاع المعيشية.
وأكد تقرير "أوكسفام" في 2023 أن "برامج الصندوق في مصر فاقمت عدم المساواة وأفقرت الطبقات الوسطى".
الانقلاب على الاقتصاد أيضًا
تشير المقارنة بالأرقام والبيانات إلى أن عهد السيسي لم يُحقق وعود الاستقرار والنمو التي روّج لها إعلامه بعد الإطاحة بمرسي، بل على العكس، شهد الاقتصاد تدهورًا حادًا، وارتفعت المديونية، وتقلصت القدرة الشرائية، واتسعت الفجوة الاجتماعية.
يختم الباحث خليل العناني مقاله في "الجزيرة نت" قائلاً: "إذا كانت شرعية مرسي اهتزت تحت ضغط الإعلام والمظاهرات، فإن شرعية السيسي اليوم تهتز تحت ضغط البطون الخاوية، والفقر المتفشي، وغياب الأفق".
هل كانت مصر في طريق إصلاح حقيقي قبل الانقلاب؟ هذا السؤال بات مطروحًا بقوة وسط الغضب الشعبي من ارتفاع الأسعار وانهيار الجنيه، وتدهور أحوال ملايين المصريين.