في خطوة أثارت ردود فعل متباينة، أعلنت وزارة المالية بحكومة الانقلاب المصري يوم الإثنين 17 يونيو 2025 عن توقعات بارتفاع حصيلة الضرائب في مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2025/2026 إلى نحو 2.4  تريليون جنيه، مقارنةً بـ1.8 تريليون جنيه متوقعة في موازنة العام المالي السابق، بنسبة زيادة تتجاوز 33 %  بينما اعتبرتها الحكومة خطوة "لتحسين الانضباط المالي وتقليل الاعتماد على الاقتراض"، رأى الاقتصاديون والسياسيون أن هذه القفزة الضريبية تعكس عجز النظام عن إيجاد حلول تنموية حقيقية، وتعميقًا لأزمة المعيشة والركود.

 

من يدفع الثمن؟

بحسب البيان الرسمي للوزارة، فإن الضرائب على الدخول والأرباح والمكاسب الرأسمالية تمثل الجزء الأكبر من الحصيلة الضريبية، يليها الضرائب على السلع والخدمات، ما يعني أن العبء الأكبر سيتحمّله المواطن العادي من خلال الضرائب غير المباشرة التي تطال الطعام، النقل، الوقود، الاتصالات، وحتى التعليم والصحة الخاصة.

وأشار الخبير الاقتصادي الدكتور هاني توفيق إلى أن "هذه الزيادة لا تستهدف الأغنياء، بل تتوسع أفقياً على حساب الطبقة المتوسطة والفقيرة، في ظل غياب عدالة ضريبية حقيقية وعدم تفعيل ضريبة الثروة أو الأرباح الرأسمالية بشكل جاد".

وأضاف أن "الضرائب أصبحت وسيلة السلطة لتمويل عجزها المتفاقم بدلًا من تقليص الإنفاق السيادي ومشاريع الاستعراض".

وفقًا لمشروع الموازنة الجديد، يبلغ عجز الموازنة الكلي المتوقع 1.2 تريليون جنيه، بما يعادل 7.5 %  من الناتج المحلي الإجمالي، رغم الطفرة في الإيرادات الضريبية.

في المقابل، ترتفع فوائد الديون إلى 1.7  تريليون جنيه، أي أكثر من 70% من الإيرادات العامة، ما يكرّس تبعية الاقتصاد للدين المحلي والخارجي.

وتعليقًا على ذلك، قال الباحث في الشؤون الاقتصادية خالد عبد الكريم من "المرصد المصري للشفافية": "لم نعد نملك اقتصادًا حقيقيًا. نحن مجرد مقترضين نمول البيروقراطية والجيش والفوائد البنكية عبر جباية ضرائب من شعب منهك".

 

أسوأ معدلات فقدان القوة الشرائية

الواقع المعيشي يبرهن على تبعات السياسات الضريبية العشوائية، فقد تجاوز معدل التضخم السنوي في مايو 2025 حاجز 37 %  وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بينما تآكلت الأجور الحقيقية بشكل غير مسبوق.

كما أشارت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها الاقتصادي لشهر يونيو إلى أن "مصر تشهد أحد أسوأ معدلات فقدان القوة الشرائية في العالم النامي، مع ارتفاع كلفة الغذاء بنسبة 90% منذ بداية 2023".

وقال المواطن أحمد رزق، موظف قطاع خاص من القاهرة، في شهادة لإحدى الصحف الإلكترونية: "الحكومة بتزود الضرايب علينا علشان تسد ديونها.. وإحنا اللي بندفع ثمن فسادهم وفشلهم".

رغم الأزمة، واصلت حكومة الانقلاب تمويل مشاريع بنية تحتية عملاقة كالعاصمة الإدارية والقطار الكهربائي السريع، والتي تكلّف الدولة مئات المليارات، دون شفافية في العوائد، ورفضت الحكومة تفعيل ضرائب تصاعدية أو ضرائب ثروة جادة، أو مراجعة إعفاءات ضريبية هائلة يتمتع بها الجيش والجهات السيادية، وهو ما وصفه الخبير عمرو عدلي بأنه "نهج غير عادل ويديم الامتيازات على حساب الأغلبية".

ووفق تقرير لمركز "كارنيغي" للشرق الأوسط صدر في أبريل 2025، فإن "الجيش المصري ما زال يحصل على امتيازات ضريبية وسوقية واسعة، وهو ما يعوق العدالة الاقتصادية ويشوّه المنافسة".

يرى مراقبون أن اعتماد النظام على الضرائب لتمويل عجزه بدلاً من الإصلاحات الهيكلية سيزيد من معدلات الفقر، والتي بلغت بالفعل 33.6 %  حسب أرقام الجهاز المركزي للتعبئة في عام 2023، مع توقعات بتجاوزها 40 %  نهاية 2025.

من جانبه، أشار النائب السابق أحمد الطنطاوي في تصريح صحفي: "هذه الموازنة تترجم استمرار حكم السيسي لنهج الجباية بدلاً من التنمية، السلطة تطحن المواطن لصالح الكماليات السيادية ومشاريع الاستعراض".

تكشف الموازنة الجديدة لعام 2025/2026 عن سياسة مالية تفتقر للتوازن والعدالة، حيث تستمر الدولة في تحميل المواطن أعباء فشلها الاقتصادي بدلًا من معالجة الأسباب الحقيقية للعجز والدين، وفي ظل غياب الشفافية، وتضييق المجال العام، وتآكل الطبقة الوسطى، فإن هذه السياسات لا تؤدي إلا إلى مزيد من الاحتقان الشعبي والانفجار الاجتماعي المحتمل، كما يحذر كثير من المراقبين.