قبل أيام من حلول عيد الأضحى، بدت أسواق الأضاحي شبه خالية من الزبائن، وسط صدمة من الأسعار المرتفعة، وعجز متزايد لدى غالبية المواطنين عن توفير ثمن خروف أو حتى الاكتفاء بجزء من عجل مشترك.

وبينما كانت الأسر المصرية تتباهى سابقاً باختيار أضحيتها مبكراً، باتت اليوم تكتفي بالمشاهدة، أو تتجه للحلول البديلة مثل الاشتراك الجماعي أو شراء كيلو لحم واحد في محاولة رمزية لإحياء الشعيرة.

ورغم هذا الركود اللافت في الأسواق، إلا أن أسعار الأضاحي قفزت هذا العام بنسبة تراوحت بين 15% و20% مقارنة بالعام الماضي، وسط تراجع حاد في القدرة الشرائية للمواطنين، وخاصة أبناء الطبقة المتوسطة.

 

"مرتبي كله ما يجيبش خروف"

في سوق المواشي بمنطقة العامرية في الإسكندرية، يختصر عم محمد، سباك في الخمسينات من عمره، مأساة آلاف الأسر قائلاً: "زمان كنا نشتري خروف ونفرح بيه مع العيال، حالياً حتى كيلو اللحمة البلدي بقى حلم. سألت عن خروف العيد، قالوا بـ16 ألف جنيه، وده أكتر من مرتبي في 3 شهور!"

تشير تقديرات التجار إلى أن سعر الكيلو القائم من العجول البقري يتراوح بين 175 و195 جنيهاً، ومن العجول الجاموسي بين 155 و175 جنيهاً، بينما بلغ سعر الكيلو في الخراف والماعز نحو 200 جنيه، ما يرفع سعر العجل الكامل إلى أكثر من 100 ألف جنيه، والخروف المتوسط إلى نحو 15 ألف جنيه. وهي أرقام صادمة في بلد يعاني فيه أكثر من 60% من السكان من ضغوط اقتصادية خانقة.

 

تكاليف الأعلاف والركود يفاقمان الأزمة

تعود هذه الارتفاعات، بحسب التجار، إلى زيادة تكلفة التربية، وارتفاع أسعار الأعلاف، وتكاليف النقل والعمالة. يقول علواني عبد العاطي، تاجر مواشي في سوق أبيس، إن كيس الردة وحده وصل إلى 300 جنيه، إضافة إلى "التحصينات والنقل وخدمة العمال".

لكن الصورة تبدو أكثر تعقيداً عند محمود القناوي، أحد كبار المربين في كفر الدوار، الذي قال إن "المواشي متوفرة بكثرة هذا العام، لكن الزبائن مش موجودين، والركود سيد الموقف".

 

مواطنون يبحثون عن حلول بديلة

   الركود لم يكن فقط على مستوى البيع، بل انعكس أيضاً على سلوك المواطنين الذين بدأوا البحث عن بدائل. تقول عبير مصطفى، موظفة وأم لثلاثة أبناء: "بقينا نفكر في الاشتراك الجماعي. خمس أو ست عائلات يشتروا عجل ويتقاسموه، أو نشتري لحمة من الجزار ونكتفي بنية الأضحية."

وتشير شهادات من داخل الجمعيات الخيرية إلى انخفاض الإقبال على حملات الأضاحي الجماعية هذا العام. يوضح أحمد الطوخي، مسؤول في جمعية خيرية بالإسكندرية، أن المساهمات تراجعت بنسبة 60% مقارنة بالعام الماضي، مؤكداً أن الجمعية لم تستطع هذا العام توفير سوى 20 رأس ماشية، مقابل 50 في العام الماضي.

 

الشعيرة تُقصى بسبب الغلاء

   تحولت فرحة العيد إلى عبء نفسي واقتصادي، وسط أزمة معيشية خانقة، تفوق فيها الغلاء على الشعائر، وتفوّق فيه الواقع الصعب على الأمنيات الروحية.