يزور الرئيس الأميركي دونالد ترامب السعودية وقطر والإمارات العربية في أول رحلة خارجية له خلال ولايته الثانية. ويتناول هذا الحوار آراء ثلاثة خبراء في شؤون الشرق الأوسط من معهد كارينيجي حول تداعيات الرحلة وجدواها المحتملة.
ما النتائج المحتملة لهذه الزيارة؟
عمرو حمزاوي:
يأتي ترامب إلى الشرق الأوسط في لحظة تشهد توتراً إقليمياً شديداً. فالحرب في غزة ما تزال مستعرة، مما فاقم الكارثة الإنسانية التي طالت أكثر من مليوني فلسطيني. استمرار النزاع يمنع تنفيذ أي جهود لإعادة الإعمار، رغم وجود خطة عربية شاملة لم يبدأ تنفيذها بعد. صحيح أن واشنطن أنهت حملتها العسكرية ضد الحوثيين بعد تعهّدهم بوقف الهجمات على السفن في البحر الأحمر، لكن المفاوضات الأميركية الإيرانية لم تُفضِ بعد إلى اتفاق واضح حول برنامج طهران النووي أو سلوكها في المنطقة أو تخفيف العقوبات عنها. أما نهج الإدارة تجاه أزمات أخرى في سوريا وليبيا والسودان، فلا يزال غامضاً.
لذا، أتوقع أن تثمر الزيارة عن صفقات تجارية واستثمارية وأمنية بين الولايات المتحدة ودول الخليج، دون تقدم سياسي يُذكر.
أندرو ليبر:
ستتمحور الزيارة على صفقات اقتصادية كبرى، وهو ما يظهر من وفد رجال الأعمال المرافق للرئيس. من المتوقع الإعلان عن التزامات استثمارية ضخمة من دول الخليج في قطاعات استراتيجية أميركية، خاصة أن ترامب وعد بتسريع هذه الاستثمارات. كما سيُعلن عن تعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، في إطار مساعي السعودية والإمارات لتعزيز علاقاتهما بسلاسل الإمداد العالمية.
من المرجّح أن تُعقد مباحثات ثنائية حول قضايا إقليمية مثل غزة وسوريا، وستظهر تفاصيلها بشكل أوضح في البيانات الخليجية. صحيح أن بعض القضايا مثل سوريا بدأت تجد طريقها إلى الأجندة الأميركية، كما يدلّ لقاء ترامب بالرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، إلا أن التزامات واشنطن تجاه غزة أو إيران ستظل محدودة. ومع ذلك، فإن امتناع ترامب عن تكرار خطاباته المتشددة السابقة قد يُعدّ مكسباً لقادة الخليج القلقين من التناقض بين دعمهم العلني للفلسطينيين وترحيبهم بإدارة تدعم هجمات إسرائيل على غزة.
زها حسن:
الصفقات التي تحدّث عنها أندرو تتطلب بيئة سياسية ملائمة. فالتدمير المستمر في غزة والحصار الإسرائيلي الذي سبّب مجاعة هناك يُلقيان بظلالهما على الزيارة. إطلاق حماس آخر رهينة أميركية حية قبل زيارة ترامب زاد الضغوط على نتنياهو، ووفّر فرصة لدول الخليج لإقناع واشنطن بضرورة ممارسة الضغط على إسرائيل لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار. مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط عبّر عن استيائه من مماطلة نتنياهو قائلاً إن "أميركا تريد عودة الرهائن، لكن إسرائيل لا تريد إنهاء الحرب".
المفاوضون الإسرائيليون عادوا إلى الدوحة لاستئناف محادثات الهدنة مع حماس، ولا يُعدّ ذلك صدفة، بل يتزامن مع هبوط طائرة الرئيس الأميركي في الرياض.
هل من المتوقع طرح مبادرات دبلوماسية، خاصة تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل؟
عمرو حمزاوي:
ربما يعلن ترامب عن مبادرات إنسانية تتعلق بالحرب في غزة، مثل إدخال مساعدات وهدنة مؤقتة مقابل إطلاق عدد من الرهائن. لكن من المستبعد أن تُحدث تغييرات جذرية في الواقع الإقليمي المرير.
أندرو ليبر:
رغبة ترامب في تحقيق اتفاق تطبيع لا تزال قائمة، لكن الظروف تغيّرت. السعودية ما تزال تحتفظ بعلاقات طيبة مع إيران منذ المصالحة عام 2023، مما قلّل الحاجة إلى التحالف مع إسرائيل. إسرائيل تواصل هجماتها على غزة، وتُفاقم الأزمة الإنسانية، ما يضع قادة السعودية تحت ضغط داخلي. ترامب لم يضغط علنًا على السعودية لقبول التطبيع، بل ركز على المكاسب الثنائية.
زها حسن:
أتفق مع أندرو. شروط التطبيع في 2025 تختلف كثيرًا عما كانت عليه خلال توقيع اتفاقات أبراهام قبل خمس سنوات. تلك الاتفاقات لم تُحرّك عملية السلام، بل أدت إلى تفاقم الأوضاع في القدس والضفة، ثم جاءت كارثة 7 أكتوبر وما تلاها في غزة.
السعودية تتبنى الآن "الخطة العربية" لإعادة إعمار غزة ودعم الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. وفقاً لهذه الخطة، لن يتم التطبيع إلا بعد اتفاق نهائي يُنهي الاحتلال ويؤسس السيادة الفلسطينية. كما أن السعودية أطلقت تحالفاً دولياً لدعم حل الدولتين، وسيُعقد اجتماعه المقبل في الأمم المتحدة خلال يونيو، وقد تُعلن خلاله خطوات بارزة تتعلق بالاعتراف بفلسطين.
ما الهدف من قبول ترامب هدية طائرة فاخرة من قطر؟
عمرو حمزاوي:
لطالما سعت قطر لبناء علاقات قوية مع واشنطن، وتعتبرها ضامناً لدورها الإقليمي، خاصة في ظل تهديدات من جيرانها الكبار مثل السعودية والإمارات، الذين فرضوا عليها حصاراً في 2017. حينها، ساعدت علاقاتها مع الولايات المتحدة في تخطي الأزمة.
الدوحة ترى في تعزيز علاقتها مع إدارة ترامب وسيلة لحماية نفسها، خاصة وأن أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط تقع على أراضيها. كما أنها تستثمر في دبلوماسية نشطة، من الوساطة بين حماس وإسرائيل إلى وساطات سابقة مع طالبان، كضمان إضافي لبقائها.
أندرو ليبر:
تعلمت قطر من تجربة ولاية ترامب الأولى أنه يجب الحفاظ على ودّه لتجنّب أي تحركات عدائية من الجيران. الهدية الفاخرة استمرار لحملات ضغط ونفوذ موسعة تقودها داخل الولايات المتحدة منذ ذلك الحين، لكنها قد تنقلب عليها، إذ تُعد في نظر البعض رشوة صريحة.
مع تعرّض كامل سكان غزة لخطر المجاعة، كيف ستؤثر الحرب على الزيارة؟
زها حسن:
تقرير أممي صنّف غزة ضمن مرحلة المجاعة الحرجة، بعد أن فرضت إسرائيل حصاراً كاملاً على الغذاء والماء والدواء والوقود منذ أكثر من شهرين. هذا الحصار، إلى جانب صور الأطفال الهزالى، يُحرج قادة الخليج الذين يستقبلون ترامب.
كما أن اقتحام المستوطنين الإسرائيليين للمسجد الأقصى عشية الزيارة، يعكس تصعيداً متعمداً في القدس والضفة. وفي الخلفية، صواريخ الحوثيين تطلق نحو إسرائيل بينما يُستقبل ترامب في الرياض، مما يُبرز أن القضية الفلسطينية ليست محلية، بل لها تبعات إقليمية ودولية تُلقي بثقلها على علاقة واشنطن بالمنطقة.
عمرو حمزاوي:
في الأسابيع الأخيرة، لم تُبذل جهود أميركية جدّية لإنهاء الحرب أو التخفيف من الكارثة الإنسانية في غزة. زيارة ترامب قد تُنتج بيانات جديدة حول ضرورة إنهاء الأزمة ووقف إطلاق النار، لكنها على الأرجح ستظل في حدود التصريحات، دون تحوّل حقيقي على الأرض.
https://carnegieendowment.org/emissary/2025/05/trump-middle-east-trip-gaza-deals?lang=en