في تقرير نشره موقع ميدل إيست آي، ينقل الكاتب كريس دويل مشاهداته من عبوره نهر دجلة من إقليم كردستان العراق إلى شمال شرق سوريا، في رحلة تكشف التناقضات بين منطقتين يفصل بينهما نهر شكل لقرون حدودًا بين إمبراطوريات متنافسة، ولا يزال شريان حياة لملايين السكان.

عبور الجسر العائم الهش يهيئ الزائر لما ينتظره، حيث يغادر منطقة مستقرة نسبيًا إلى أخرى تعاني عزلة وضعفًا اقتصاديًا وانهيارًا في البنية التحتية. الطريق المؤدي من النهر يعكس ذلك، مليء بالحفر الضخمة، فيما يحيط بالمنطقة جدران وأسلاك شائكة تفصلها عن تركيا التي تعتبر خصمًا دائمًا.

في اللقاءات مع ممثلي مكونات المنطقة من عرب وكرد وأرمن ويزيديين ومسيحيين وعلويين، ساد قلق مشترك من انتقال العنف الطائفي الذي شهده الساحل السوري إلى مناطقهم. كما أعرب كثيرون عن انعدام الثقة تجاه الوعود القادمة من دمشق.

المنطقة التي كانت تعرف بسلة الغذاء السورية أصبحت شبه خالية من الزراعة، وشوارعها تفتقر إلى الإضاءة. المحال مغلقة، الكهرباء تعتمد على مولدات بدائية، والمياه شحيحة. وبالرغم من انتشار تهريب النفط، إلا أن عمليات الاستخراج البدائية ألحقت أضرارًا صحية وبيئية جسيمة، في ظل غياب شبه تام للرقابة.

تعددت أسباب هذا الوضع الكارثي: الحرب، الهجمات التركية، ومخلفات المعارك ضد تنظيم الدولة، بالإضافة إلى انتهاكات ارتكبتها قوات سوريا الديمقراطية كاعتقال ناشطين سياسيين وتجنيد أطفال. مدينتا القامشلي والحسكة شكلتا جبهة متقدمة في مواجهة التنظيم، الذي نفذ نحو 300 هجوم العام الماضي، أي ضعف عددها في السنة السابقة.

كما ساهمت العقوبات الأميركية والأوروبية في خنق الاقتصاد السوري، ما أوقف تدفق الاستثمارات. السكان عبروا عن استيائهم من تراجع المساعدات الدولية، بعدما حوّلت المنظمات غير الحكومية تركيزها نحو العاصمة دمشق. وفي المنطقة الشمالية، تنتشر مخيمات اللاجئين والنازحين، بينهم من فرّ مؤخرًا بعد هجمات تركية أو من مناطق خرجت عن سيطرة النظام.

الحضور الدولي في المنطقة كان لافتًا، حيث تمر الدوريات الروسية على الطرق الرئيسية، وتقع قواعد أميركية بالقرب من بعضها. ورغم إعلان الولايات المتحدة تقليص وجودها عبر إغلاق ثلاث قواعد من أصل ثمانٍ في المنطقة، فإن وجودها ما زال يُعتبر رادعًا لتنظيم الدولة، وعاملًا يمنع المواجهة بين الفصائل المدعومة تركيًا والكرد.

الخبر الإيجابي خلال الزيارة كان استمرار وقف إطلاق النار مع تركيا لأكثر من ثلاثة أسابيع، وتوقف الغارات بالطائرات المسيرة. ويشكل نهر الفرات اليوم حدًا فعليًا بين المناطق الخاضعة لقوات سوريا الديمقراطية وتلك التي تسيطر عليها القوات المدعومة من أنقرة.

كما مثّل الاتفاق الذي وُقّع في مارس بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية بارقة أمل، رغم استمرار الخلافات بين الأطراف الكردية. القائد الكردي مظلوم عبدي تحدث بإيجابية عن اللقاءات مع دمشق، رغم تحليق المروحيات الأميركية فوق المكان في تدريبات عسكرية. كما أبدى تفاؤلًا حذرًا حيال تركيا، رغم وصفه للتهديد التركي بأنه "تحدٍ وجودي".

اللافت أن زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، دعا في فبراير إلى نزع سلاح الحزب، ما قد يفتح الباب أمام نهاية صراع أودى بحياة 40 ألف شخص خلال أربعة عقود، ويغيّر موازين القوى في سوريا والعراق ويبعث برسالة طمأنة لتركيا.

إنهاء القتال في الشمال السوري يمهّد الطريق أمام استقرار طويل الأمد، وهو ما ينبغي أن تهتم به القوى الإقليمية والدولية. وما تحتاجه المنطقة اليوم هو تخفيف العقوبات لفتح أفق سياسي واقتصادي حقيقي، قد يسهم في هزيمة الجماعات المتطرفة ويمنح السوريين الثقة للعودة إلى وطنهم.

الطريق لا يزال مليئًا بالحفر، لكنه يستحق السعي والجهد.

https://www.middleeasteye.net/opinion/long-path-recovery-northeastern-syria