في السنوات الأخيرة، شهدت الساحة الاقتصادية المصرية تحولات جذرية أثارت جدلاً واسعاً حول طبيعة العلاقة بين السلطة ومجتمع الأعمال.
وتحت غطاء مكافحة الإرهاب، طالت إجراءات الاستيلاء والمصادرة عدداً من كبار رجال الأعمال المصريين، في خطوة اعتبرها تقرير صادر عن "الجبهة المصرية لحقوق الإنسان" إعادة إنتاج لنهج الدولة في السيطرة على القطاع الخاص وتوجيهه بما يخدم مصالحها الاقتصادية والسياسية.
استهداف الشركات تحت ستار مكافحة الإرهاب
كشف التقرير الصادر في 19 فبراير 2024، تحت عنوان "أموالهم غنيمة لنا: تهديد الشركات والاستثمار المحلي تحت ستار الحرب على الإرهاب"، عن سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها السلطات منذ عام 2013 ضد رجال الأعمال وشركاتهم.
وأوضح التقرير أن هذه الممارسات بدأت باستهداف الإسلاميين وشركاتهم، ثم توسعت لاحقاً لتشمل رجال أعمال بارزين ليس لهم انتماءات سياسية واضحة، في إطار سياسة موسعة لإعادة هندسة الاقتصاد المصري.
أبرز المتضررين من المصادرات والتضييقات
شملت عمليات المصادرة والضغط الاقتصادي عدداً من كبار رجال الأعمال، منهم:
- صلاح دياب: مالك صحيفة "المصري اليوم"، الذي تعرض للاعتقال والملاحقات المالية.
- صفوان ثابت ونجله سيف: مالكا شركة "جهينة" للألبان، اللذان تم توقيفهما بعد رفضهما الاندماج مع مشاريع تابعة للدولة.
- حسن راتب: صاحب قناة "المحور"، الذي اتُهم بتمويل تجارة الآثار، وسط تكهنات بأن الهدف كان الاستحواذ على قناته وأصوله الاستثمارية.
- محمد الأمين: رجل الأعمال المعروف، الذي تعرض لضغوط مالية وإجراءات قضائية.
- سيد السويركي: مالك سلسلة محلات "التوحيد والنور"، الذي خضع لملاحقات قانونية انتهت بتنازله عن بعض ممتلكاته.
- أحمد العزبي: صاحب سلسلة صيدليات "العزبي"، الذي أُجبر على الشراكة مع صندوق مصر السيادي.
آليات الاستحواذ على الشركات
بحسب التقرير، تعتمد السلطات على عدة وسائل للاستيلاء على الشركات وأموال رجال الأعمال:
- التحفظ الإداري والقضائي: من خلال قرارات صادرة عن "لجان التحفظ على أموال الإرهاب".
- توجيه تهم جنائية واقتصادية: مثل التهرب الضريبي، غسل الأموال، أو تمويل الإرهاب.
- الإجبار على الشراكة مع مؤسسات الدولة: كما حدث مع بعض الشركات التي اضطرت للدخول في شراكات غير متكافئة مع جهات سيادية.
- الضغوط لدفع تبرعات كبيرة لصناديق الدولة: مثل صندوق "تحيا مصر"، الذي شهد تبرعات قسرية من رجال أعمال تحت ضغوط مباشرة وغير مباشرة.
دوافع السلطة لهذه الإجراءات
يُرجع التقرير الحقوقي هذه السياسات إلى عدة أسباب منها:
- سد العجز المالي المتفاقم في الموازنة العامة
- إعادة توزيع الثروة بما يضمن هيمنة الدولة وأجهزتها على القطاعات الاقتصادية الحيوية
- تأمين موارد مالية إضافية لصناديق الدولة، خصوصاً مع تراجع الدعم الخليجي
- تقليل نفوذ رجال الأعمال المستقلين الذين قد يشكلون تهديداً سياسياً مستقبلياً.
ردود الفعل الدولية
أثارت هذه الإجراءات انتقادات واسعة من مؤسسات مالية دولية، حيث نشرت مجلة "الإيكونوميست" تقريراً عام 2022 وصفت فيه استيلاء السلطات على أموال رجال الأعمال بأنه "نهج مافياوي" يعوق الاستثمار.
كما أشار تقرير لوكالة "رويترز" في يناير 2023 إلى أن بعض الإفراجات التي تمت بحق رجال أعمال، مثل صفوان ثابت ونجله، جاءت استجابة لشروط صندوق النقد الدولي ضمن حزمة إصلاحات اقتصادية.

