قال جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في مقابلة عام 2020، إنه قرأ 25 كتابًا عن الشرق الأوسط. قد لا يكون لهذا التفاخر الفكري أهمية كبيرة، لولا أن كوشنر كان المستشار الرئيسي لترامب في شؤون الشرق الأوسط، والمُهندس الأساسي لسياساته في المنطقة.
من البديهي أن هذه السياسات كانت فاشلة، بل وأسهمت في تأجيج الأحداث التي تلت رحيله، مما أدى إلى الحرب الإسرائيلية والإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة.
أما خليفة ترامب، جو بايدن، فلم يكن أفضل حالًا، إذ تبنّت إدارته نفس الأخطاء الكبرى التي ارتكبها سلفه، مما أدى في النهاية إلى استمرار الإبادة الجماعية الإسرائيلية، والتي أسفرت عن مقتل وإصابة ما لا يقل عن 160 ألف فلسطيني، وفقًا لأحدث التقديرات.
وأظهر بايدن أيضًا اهتمامًا بالقراءة، لكنه لم يتفاخر بذلك علنًا مثل كوشنر. ففي 29 نوفمبر، ظهرت صورة له وهو يحمل كتابًا للمؤرخ الفلسطيني رشيد الخالدي بعنوان حرب المئة عام على فلسطين: تاريخ الاستعمار الاستيطاني والمقاومة 1917-2017.
إعادة تكرار الأخطاء التاريخية
يدّعي القادة والمسؤولون الأمريكيون أن قراراتهم تستند إلى فهم عميق لتعقيدات الشرق الأوسط.
ومع ذلك، تكرر الولايات المتحدة نفس الأخطاء التاريخية مرارًا وتكرارًا.
تعليقات ترامب المتكررة حول "امتلاك" غزة، وتهجير سكانها، وتحويل وطنهم المدمر إلى مشاريع عقارية، وتهديدهم بـ"الجحيم" إذا لم يذعنوا لأوامره، لا تعكس فقط قسوة لا مثيل لها، بل تكشف أيضًا عن جهل فادح.
يستخدم الرئيس الأمريكي هذه اللغة بناءً على فكرة خاطئة مفادها أن هذه التهديدات ستعيد له النفوذ السياسي الذي فقدته واشنطن خلال 15 شهرًا من الدعم الأعمى للإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة.
لا يمكن لأي شخص عاقل، سواء في الشرق الأوسط أو خارجه، أن يتخيل سيناريو يترك فيه الفلسطينيون وطنهم بسبب تهديدات ترامب. فقد رفضوا المغادرة حتى بعد إلقاء 85 ألف طن من القنابل – معظمها أمريكية الصنع – على أرضهم ومنازلهم وبنيتهم التحتية، مما حوّل غزة بالكامل تقريبًا إلى أنقاض. وبالتالي، لن تغير التهديدات الفارغة شيئًا من ذلك.
استحالة تنفيذ "عقيدة ترامب" في غزة
حتى وإن استغل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة تصريحات ترامب لترميم تحالفهم المتصدع، فإن تحويل ما يُسمى بـ"عقيدة ترامب" بشأن غزة إلى واقع هو مهمة مستحيلة.
حاولت إسرائيل خلق الظروف التي تؤدي، وفقًا لوزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، إلى "الهجرة الطوعية" للفلسطينيين من غزة. لكن ما حدث في 27 يناير كان عكس ذلك تمامًا، حيث بدأ ما يقرب من مليون فلسطيني نازح، ممن تم دفعهم إلى جنوب غزة، مسيرتهم الملحمية للعودة إلى الشمال.
التطهير العرقي للفلسطينيين: هدف إسرائيلي تاريخي
كان التطهير العرقي للفلسطينيين هو الهدف الرئيسي لكل السياسات الإسرائيلية، حتى قبل إنشاء دولة الاحتلال على أنقاض فلسطين التاريخية عام 1948، والتي يُعرفها الفلسطينيون باسم النكبة.
بعيدًا عن الجانب الأخلاقي، لا تزال النكبة كارثة سياسية وإنسانية تؤثر على المنطقة حتى اليوم. فقد تم تهجير الملايين من الفلسطينيين، بعضهم داخل فلسطين نفسها، بينما لجأ آخرون إلى الأردن ولبنان وسوريا ودول أخرى في الشرق الأوسط والعالم. حاليًا، هناك ما يقرب من ستة ملايين لاجئ فلسطيني مسجل لدى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، في حين أن هناك أعدادًا غير محسوبة من اللاجئين الذين يعيشون في الشتات، ربما تصل إلى ضعف هذا الرقم.
ذلك الزلزال السياسي الذي وقع قبل 76 عامًا لا يزال يشكّل المنطقة، ولن يكون هناك حل حقيقي إلا إذا تحقق العدل في فلسطين، وفقًا للقوانين الدولية والإنسانية، وليس بناءً على تصريحات أمريكية مرتجلة.
استحالة تهجير الفلسطينيين إلى الدول العربية
لطالما لعب اللاجئون الفلسطينيون دورًا محوريًا في السياسات الداخلية والخارجية للدول المضيفة لهم، وخاصة الأردن ولبنان وسوريا. فقد أصبح الفلسطينيون جزءًا من النسيج السياسي والاجتماعي لهذه البلدان، وأحيانًا تورطوا في صراعاتها الداخلية، أو استُخدموا لموازنة الصراعات الديموجرافية القائمة.
أي شخص لديه فهم أساسي للسياسة الحديثة في الشرق الأوسط يدرك هذا الواقع جيدًا.
لذلك، لا يمكن لأي حكومة عربية أن تقبل، تحت أي ظرف من الظروف، تنفيذ خطة ترامب لتهجير 2.2 مليون لاجئ فلسطيني إلى الأردن ومصر ودول عربية أخرى. فهذا سيكون الحدث الأكثر زلزالية في المنطقة منذ النكبة، ولن تسمح أي دولة عربية بحدوث ذلك.
النكبة مستمرة في الضفة الغربية
ورغم أن خطة "نكبة غزة" وُلدت ميتة، فإن الخطر الحقيقي يكمن في أن حوالي 50 ألف فلسطيني تم تهجيرهم بالفعل داخليًا في الضفة الغربية. هذا التطهير العرقي المستمر لا يقل خطورة عن المخططات الأمريكية-الإسرائيلية لغزة.
السياسة الأمريكية العمياء تجاه فلسطين، التي لا تزال تخضع لسياسات حكومة نتنياهو المنهارة سياسيًا، تُوحد العرب مجددًا حول قضية مشتركة. وإذا كانت واشنطن تصرّ على تجاهل التاريخ، فإن العرب يدركون تاريخهم جيدًا.
لقد حان الوقت ليُثبتوا لإسرائيل أن دروس التاريخ قد استُوعبت، ولن يُسمح بتكرارها مرة أخرى.