أثارت التصريحات الأخيرة للرئيس الأميركي دونالد ترامب المثير للجدل، خلال لقائه برئيس وزراء الاحتلال الصهيوني بنيامين نتنياهو، موجة واسعة من الغضب في الأوساط الفلسطينية والعربية والدولية، بعد إعلانه الواضح عن رغبته في السيطرة على قطاع غزة وتهجير سكانه.
هذا الإعلان، الذي يتماشى مع توجهات اليمين الصهيوني المتطرف، يأتي ليؤكد التوجهات الأميركية المنحازة لصالح الاحتلال، مما يعزز المخاوف بشأن مستقبل القضية الفلسطينية بأكملها.
 

تصريحات ترامب بين الواقع والمخاطر
   خلال اللقاء الذي جمع ترامب بنتنياهو، عبّر الرئيس الأميركي عن دعمه لخطة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى دول أخرى، مشيراً إلى ضرورة إعادة ترتيب الأوضاع في القطاع وفق رؤية أميركية وصهيونية مشتركة.
هذه التصريحات لم تكن مفاجئة، بل تأتي امتداداً لمواقفه السابقة الداعمة للاحتلال والاستيطان، غير أنها تتجاوز حتى "صفقة القرن" التي طرحها خلال ولايته الأولى.

ويرى محللون أن هذه التصريحات تشكل غطاءً سياسيًا لمحاولات الاحتلال تنفيذ مخطط التهجير القسري الذي فشل في تحقيقه بالقوة العسكرية خلال الحرب الأخيرة، والتي استمرت أكثر من 471 يومًا.
ويبدو أن المخطط الجديد يسعى إلى فرض واقع سياسي مختلف، عبر استغلال الأوضاع الإنسانية والاقتصادية المتدهورة في القطاع كذريعة لدفع سكانه إلى الهجرة القسرية.
 

المواقف الفلسطينية.. رفض قاطع وتصعيد سياسي
   جاءت ردود الفعل الفلسطينية على تصريحات ترامب حازمة ورافضة لأي مشاريع تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية أو تهجير أهل القطاع.
وأكدت الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، أن هذه المخططات لن تمر، مشددة على أن الشعب الفلسطيني متمسك بأرضه ولن يقبل بأي حلول تفرض عليه بالقوة أو التهديد.

وقال الناطق باسم حركة حماس، جهاد طه، إن "تصريحات ترامب تأتي في إطار مشاريع تصفوية تسعى إلى تهجير الفلسطينيين وشرعنة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة".
وأضاف أن "الشعب الفلسطيني بكافة مكوناته يرفض هذه التصريحات، وسيفشل كل المخططات التي تستهدف وجوده".

من جهتها، أكدت حركة فتح رفضها التام للسيطرة الأميركية على القطاع، مشيرة إلى أن غزة جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية المستقلة، ولن يكون لأي جهة أجنبية دور في تقرير مصيرها.
وأوضح الناطق باسم الحركة، منذر الحايك، أن الحل الوحيد للأزمة يتمثل في تنفيذ القرارات الدولية، وعلى رأسها القرار الأممي رقم 194، الذي ينص على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم.
 

البعد الإقليمي والدولي.. تحركات مطلوبة لمواجهة المخطط
   لم تقتصر ردود الفعل الرافضة على الجانب الفلسطيني، إذ أبدت دول عربية عدة، وعلى رأسها مصر والأردن، قلقها من هذه المخططات، معتبرة أن تنفيذها سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي، وسيؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي للدول المجاورة.

وأكدت الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي رفضهما القاطع لهذه المشاريع، داعين المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف واضح وصارم تجاه التصعيد الأميركي الإسرائيلي.

ويرى المحلل السياسي أحمد الطناني أن تصريحات ترامب تتماهى مع رؤية التيار الديني القومي الصهيوني، الذي يسعى إلى تنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين بشكل كامل، مشيرًا إلى أن هذه التوجهات تشكل تهديدًا ليس فقط للفلسطينيين، بل للمنطقة بأكملها.
وأضاف أن "المرحلة القادمة تتطلب توافقًا فلسطينيًا وعربيًا لمواجهة هذا المخطط، إلى جانب تحركات دبلوماسية دولية لوقف التعديات على الحقوق الفلسطينية".
 

وقف إطلاق النار في غزة.. مستقبل مجهول
   مع استمرار الحديث عن تهجير الفلسطينيين من غزة، تزداد المخاوف بشأن مصير اتفاق وقف إطلاق النار الهش، الذي تم التوصل إليه بعد أشهر من القتال العنيف.
فقد شهدت المرحلة الأولى من الاتفاق تلكؤًا صهيونيًا في إدخال المساعدات الإغاثية، مما أثار تساؤلات حول مدى التزام الاحتلال بالمرحلة الثانية، التي تتضمن إعادة الإعمار وعودة النازحين إلى مناطقهم.

ويعتقد مدير مركز مسارات للدراسات، هاني المصري، أن تصريحات ترامب قد تؤثر سلبًا على المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار، بل وقد تشكل غطاءً لاستمرار العدوان الصهيوني، وأوضح أن "المطلوب فلسطينيًا هو وضع برنامج وطني مشترك، يعزز صمود الشعب الفلسطيني، ويحبط أي مخططات تهدف إلى فرض حلول قسرية عليه".