في مقال نشره موقع "تروث أوت" المعني بالشأن الاقتصادي، تصف الطالبة القاطنة بغزة شهد علي كيف عاشت لحظات الحرب على مدار الـ 15 شهرا الماضية.
وتقول في مستهل مقالها: "منذ أن بدأت إسرائيل حربها على غزة في أكتوبر 2023، شعرتُ وكأن الزمن قد توقف. كل يوم كان متشابهًا، مجردًا من المعنى أو الأمل. شاهدتُ أنا وعائلتي فظائع لا توصف".
وتابعت: "من حصار الدبابات التي أحاطت بنا إلى عمليات الإجلاء المرعبة تحت القصف المستمر، كان كل لحظة نعيشها صراعًا من أجل البقاء. لن أنسى أبدًا رؤية والدتي تنزف أمام عيني، وشعوري بالعجز عن إنقاذ حياتها. منزلي في حي الزيتون في غزة، حيث ولدتُ وترعرعتُ، والذي كان يومًا ما مليئًا بالضحك والحب، أصبح الآن كومةً من الأنقاض. الأماكن التي كنت ألجأ إليها في لحظات الإحباط، تلك الزوايا الهادئة والمحببة من عالمي، لم تعد موجودة".
حتى أحلامي تمزقت. كنتُ أتخيل الاحتفال بتخرجي محاطةً بعائلتي وأصدقائي، نتبادل الابتسامات والفرح. لكن تلك الأحلام تلاشت كالدخان. أصبح الجوع رفيقي الدائم، وكل ما كنتُ أتمناه هو رغيف خبز بسيط يسد الجوع الذي يمزق معدتي.
لمدة عام كامل، كنتُ أعيش في كابوس لا ينتهي، كما لو كنت أسقط في جحيم بلا مخرج. والآن، مع وقوف غزة على أعتاب وقف إطلاق النار، أجد صعوبة في تصديق أن هذا العذاب قد ينتهي أخيرًا.
فرصة لالتقاط الأنفاس
كنتُ أتشبث بهذه اللحظة في ذهني، أستدعيها وسط الفوضى، وأتخيل كيف سيكون شعوري عند سماع صمت السلام أخيرًا. أحلم باليوم الذي تتوقف فيه القنابل، وينقشع الدخان، وتبدأ الحياة، بأي شكل كان، من جديد. حتى أنني وضعت خططًا بسيطة – خططًا مليئة بالأمل لما سأفعله عند انتهاء هذا الكابوس.
لكنني كنتُ دائمًا أعلم: لا يمكن لأي وقف إطلاق نار أن يعيد الوجوه التي أفتقدها، أو الضحكات التي فُقدت إلى الأبد، أو العالم الذي كنتُ أسميه "وطني". لا شيء يمكنه حقًا محو الدمار.
ومع ذلك، فإن الأخبار عن وقف إطلاق النار جلبت شيئًا كنتُ قد نسيته تقريبًا – الارتياح. فرصة لالتقاط الأنفاس، ولو للحظة واحدة. لأول مرة منذ ما يبدو كالأبد، سمحتُ لنفسي بالبكاء، ليس سرًا، وليس بسبب الخوف، بل بحرية. لم تكن دموعي فقط بسبب الحزن، بل كانت تحررًا من الألم الذي حملته لفترة طويلة.
في الحرب، لم يكن هناك مجال للعواطف. كان كل تفكير، كل ذرة من قوتي، مكرسين فقط للبقاء على قيد الحياة. لكن الآن، ومع زوال وطأة الحرب – ولو قليلًا – يمكنني أن أسمح لنفسي بالشعور مرة أخرى. يمكنني أن أسمح لنفسي بالحزن، ليس فقط على ما فقدته، بل على الشخص الذي كنتُ عليه قبل كل هذا. ربما في هذا السلام الهش، يمكنني أن أجد أجزاءً من نفسي من جديد، حتى لو لم تعد تتناسب مع بعضها كما كانت.
لحظات من الأمل وسط الدمار
لأول مرة، قد أتمكن من المشي في شوارع غزة (الرمال، صلاح الدين) بحرية، دون الخوف المستمر من القصف. سأسمح لنفسي بتذكر اللحظات الجميلة التي عشتها في هذه الأماكن.
وأردفت: "سأزور أنقاض منزلي، أبحث بين الركام عن أشيائي – كتبي، ملابسي، أي شيء قد يعيد لي جزءًا من الحياة التي عرفتها. وبعد عام من الاشتياق، سأقف أخيرًا أمام قبري والدتي وجدتي. سأخبرهما كم افتقدتهما، وكم كنتُ أتمنى لو كانتا معنا لترَيان هذا اليوم".
لكن الأهم من ذلك، قد أتمكن أخيرًا من لمّ شمل مع عمّي وعمّتي وأبناء عمومتي، الذين اضطروا إلى الإجلاء جنوبًا في الأيام الأولى من الحرب. لا أستطيع أن أصدق أنني قد أراهم مجددًا بعد هذا الفراق الطويل والمؤلم، وأضمّهم إليّ بقوة.
لقد وعدتهم، والدموع تنهمر على وجهي، وقلبي يكاد ينفجر من السعادة، أنني سأكون أول من يستقبلهم.
غزة تنبض بالحياة مجددًا
طوال الوقت، كنتُ أتخيل هذا اليوم الذي نجتمع فيه، نضحك، نتبادل القصص، نشرب الشاي، ونتذوق الشوكولاتة – تلك البهجة البسيطة التي بدت بعيدة المنال. لقد حلمتُ بهذه اللحظة طويلًا، وحتى الآن، لا تزال تبدو غير حقيقية.
ولأول مرة، رأيت الابتسامات تعود إلى وجوه عائلتي وجيراني، رغم الألم والفقدان الذي لا يزال يلوح في أعينهم. دبت الحياة في شوارع غزة مع خروج الناس للاحتفال بهذه اللحظة التي طال انتظارها.
تردد صدى ضحكات الأطفال وهتافاتهم: "وقف إطلاق النار، وقف إطلاق النار!"، حيث اخترقت أصواتهم صمت الحزن.
أضاءت الألعاب النارية السماء الكئيبة بألوان الأمل العابرة. بدأ الناس في تنظيف الشوارع بحيوية متجددة، استعدادًا لاستقبال العائدين من الجنوب. اشترى البعض ملابس جديدة، وكأنهم يريدون أن يرتدوا فرحهم، رمزًا للصمود والبدايات الجديدة. وعجّت محلات الحلوى بالنشاط، تصنع أصنافًا من الحلويات لتوزيعها على الجميع، محوّلةً هذه اللحظة إلى احتفال أشبه بالعيد.
كان هناك فهم صامت بأن هذا الهدوء مؤقت، لكنه منحنا شيئًا لا يقدر بثمن – لحظة لإعادة التواصل مع ما فقدناه.
الحياة تجد طريقها دومًا
وسط الفرح والارتياح، كان هناك امتنان عميق لمجرد كوننا أحياء. لم ننسَ الماضي، لكن في هذه اللحظة القصيرة من السلام، سمحنا لأنفسنا بأن نتذكر كيف نأمل من جديد.
وختمت: "الطريق أمامنا لا يزال مليئًا بالتحديات، لكن في الوقت الحالي، نتمسك بالحقيقة: حتى في أحلك لحظاتنا، تجد الحياة دائمًا طريقها لتُبعث من جديد".
https://truthout.org/articles/in-gaza-ceasefire-will-be-a-chance-to-finally-breathe/