بعد خمسة عشر شهرًا من الحرب في غزة، حيث استُشهِد أكثر من 46500 فلسطيني ويعيش معظم سكان القطاع البالغ عددهم 2.1 مليون شخص في ملاجئ، تستمر الأوضاع في التدهور في ظل الجوع والبرد القارس.

ما لا يقل عن 1.9 مليون شخص – أي حوالي 90% من سكان القطاع – مشردون. وقد أجبر الكثير منهم على التنقل مرارًا وتكرارًا، بعضهم حتى 10 مرات.

في الأشهر الثلاثة الماضية، ركزت العمليات البرية للاحتلال على الثلث الشمالي من القطاع، حيث تقول سلطات الاحتلال إنها كانت تحاول منع حماس من إعادة تنظيم صفوفها، بينما يتهم الفلسطينيون الاحتلال الصهيوني بالسعي إلى تفريغ المنطقة بشكل دائم لإنشاء منطقة عازلة.

ووفقًا لمكتب الإعلام الحكومي في غزة، استُشهِد ما لا يقل عن 5000 فلسطيني خلال الحصار الصهيوني الذي استمر 100 يوم على شمال غزة، رغم أن هذا الرقم لا يميز بين المقاتلين والمدنيين. وتزعم قوات الاحتلال إنها تبذل جهودًا كبيرة لتجنب وقوع خسائر في صفوف المدنيين.
 

"لا يُمكن تصورها"
   
وصفت شاينا لو، مستشارة الاتصالات في المجلس النرويجي للاجئين بفلسطين، الأوضاع في شمال غزة بأنها "لا يمكن تصورها ببساطة"، حيث تعاني المنطقة من نقص حاد في الغذاء والماء، مع دخول قليل جدًا للمساعدات.

رغم أن جيش الاحتلال يدَّعى أنه يعمل على تسهيل تقديم المساعدات الإنسانية إلى غزة، إلا أن منظمات الإغاثة الإنسانية تتهم الاحتلال الصهيوني بعرقلة شحنات المساعدات بشكل منتظم وحتى تشجيع الجماعات المسلحة على نهب القوافل.
وفي أغسطس، صرح وزير مالية الاحتلال الصهيوني، بتسلئيل سموتريتش، بأن منع وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة "مبرر وأخلاقي" حتى لو أدى ذلك إلى وفاة مليوني مدني جوعًا، وذلك لهزيمة حماس.

   لا يزال الجوع شديدًا في جنوب غزة، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية إلى حوالي 20 ضعفًا مقارنة بالأسعار العادية، مما يجعلها بعيدة عن متناول معظم الناس الذين استنزفتهم الأوضاع المالية بسبب قلة الدخل والتشريد المتكرر.

ووفقًا للسكان، ارتفع سعر كيس دقيق وزنه 25 كجم من 10 دولارات إلى 140 دولارًا، وقالوا إنه على الرغم من زيادة دخول السلع التجارية غير الأساسية، إلا أنه لم يكن هناك تحسن في توصيل المساعدات.
ووصول شحنة حديثة من اللحوم والبيض كانت الأولى من نوعها منذ أربعة أشهر.

   في عام 2024، خططت الأمم المتحدة وشركاؤها لتقديم 5321 شحنة مساعدات إنسانية عبر غزة.
من بين هذه الشحنات، تم رفض 24% منها، وواجهت 19% عوائق، وأُلغيت 9%.

   تقول نسيبة (25 عامًا)، التي نزحت مع ابنها خمس مرات وفقدت أختها سمية في غارة جوية للاحتلال: "نعاني كثيرًا.. قصف وموت ودمار من جهة، ومن الجهة الأخرى جوع وبرد؛ أقول إن أختي محظوظة؛ الموت أفضل بكثير من العيش بهذه الطريقة؛ نحن مرهقون ومتعبون جدًا، نريد فقط أن تتوقف هذه الحرب التي أخذت منا كل شيء ثمين... يموت الأطفال ليس بسبب القصف، ولكن بسبب الجوع والبرد؛ كل ما نريده هو وقف الحرب."

ووفقًا لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، توفي ثمانية مواليد حديثي الولادة بسبب انخفاض حرارة الجسم خلال ثلاثة أسابيع نتيجة الطقس الشتوي البارد ونقص المأوى والإمدادات الشتوية.

وذكر تقرير حديث لوزارة الأشغال العامة والإسكان أن الحرب دمرت أكثر من 161600 وحدة سكنية، وتضرر 194 ألف مبنى جزئيًا، وأصبحت حوالي 82 ألف منزل غير صالحة للسكن.
 

هجمات على الطواقم الطبية والصحفيين
   
لا تزال 16 من مستشفيات غزة الـ 36 تعمل جزئيًا فقط، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، بطاقة إجمالية تبلغ حوالي 1800 سرير؛ وهو عدد غير كافٍ تمامًا للاحتياجات الطبية الساحقة.
وقالت المنظمة إن أكثر من 25% من 105 ألف مدني جريح يواجهون إصابات تُغير حياتهم.

   وفي الشهر الماضي، وثّق تقرير صادر عن مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وقوع 136 ضربة على مستشفيات ومرافق صحية أخرى بين 7 أكتوبر 2023 و30 يونيو 2024.
وأوضح التقرير أن "تدمير نظام الرعاية الصحية في غزة، إلى جانب قيود الاحتلال الصهيوني على دخول وتوزيع الإمدادات الطبية، أدى إلى تدهور حاد في صحة السكان بأكملهم وخلق كارثة صحية، مع انتشار أمراض معدية مثل شلل الأطفال والتهاب الكبد الوبائي والإسهال الحاد واليرقان."

واستُشهِد أكثر من ألف عامل صحي منذ أكتوبر 2023.

وتدعي قوات الاحتلال الصهيوني أنها تستهدف المسلحين الذين يستخدمون المدارس والمستشفيات كقواعد – لكن السكان والمسؤولين على الأرض ينفون ذلك.

قالت الدكتورة تانيا حاج حسن من منظمة "العون الطبي للفلسطينيين": "ارتداء المعاطف البيضاء يشبه ارتداء هدف على ظهورهم".

باستثناء حالات نادرة، تستمر قوات الاحتلال الصهيوني في منع الصحفيين الأجانب من دخول غزة.
فقط الصحفيون الفلسطينيون الموجودون بالفعل هناك يمكنهم تغطية الأحداث، وغالبًا ما يدفعون ثمنًا باهظًا.

بين 7 أكتوبر 2023 و25 ديسمبر 2024، استُشهِد ما لا يقل عن 217 صحفيًا وعاملًا إعلاميًا في غزة.
 

العنف مستمر
   
رغم التقارير التي تشير إلى أن الأطراف المتفاوضة تقترب من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى، إلا أن القتال مستمر.

قال مازن حماد، الذي يعيش في مدينة خان يونس الجنوبية: "نسمع أن هناك مفاوضات كل يوم، لكننا لا نرى شيئًا. عندما نرى ذلك على أرض الواقع، سنصدق أن هناك هدنة."

يوم الاثنين، وصف وزير خارجية الاحتلال الصهيوني تقدم المحادثات بشأن وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الأسرى الصهاينة وسط مفاوضات غير مباشرة مكثفة في قطر حضرها مبعوث الشرق الأوسط لدونالد ترامب.

وتقدر أجهزة الاستخبارات الصهيونية والغربية أن ما لا يقل عن ثلث الأسرى الصهاينة الـ 95 المتبقين في غزة قد لقوا حتفهم.

https://www.theguardian.com/world/2025/jan/13/israel-gaza-war-15-months-unimaginable