مع دخول اتفاقية عنتيبي حيز التنفيذ رغم معارضة مصر القوية، تتكشف مرة أخرى حالة التخاذل والعجز التي باتت تميز إدارة رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي وحكومته في التعامل مع الملفات القومية الحاسمة. فالاتفاقية التي تسعى إلى إعادة توزيع مياه النيل بين دول حوض النيل من دون اعتبار للحصص التاريخية لمصر، تُعد ضربة كبيرة للأمن المائي المصري. ورغم التهديد الواضح الذي تمثله الاتفاقية على حصة مصر من المياه، جاءت الاستجابة الحكومية باهتة، مما يثير تساؤلات حول مسؤولية النظام الحالي في التفريط في حقوق البلاد المائية. تخاذل السيسي في ملف مياه النيل في ظل حكم السيسي، واجهت مصر العديد من التحديات المتعلقة بمياه النيل، إلا أن ما يثير القلق هو تقاعس النظام عن اتخاذ خطوات جدية لحماية حقوق مصر في نهر النيل، وهو المصدر الحيوي الذي تعتمد عليه البلاد بنسبة كبيرة لتلبية احتياجاتها المائية. فبدلًا من اعتماد سياسات استراتيجية وحلول جادة للتعامل مع أزمة المياه، اكتفى النظام بتقديم وعود دبلوماسية فارغة وإطلاق شعارات جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع. ومنذ توقيع اتفاقية عنتيبي في عام 2010، كان من الواضح أن دول المنبع تسعى إلى تعديل ميزان القوى في توزيع المياه بما يخدم مصالحها الخاصة، إلا أن الحكومة المصرية بقيادة السيسي لم تتخذ خطوات فعالة للتصدي لهذا الخطر المتزايد. ومع دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، يتضح أن الحكومة قد أضاعت فرصًا ثمينة كان يمكن أن تُستغل للضغط على دول حوض النيل، سواء من خلال التعاون الاقتصادي أو الدبلوماسي. إدارة غير فعالة للأزمة منذ توليه السلطة، اتبع السيسي نهجًا يغلب عليه الطابع الفردي في التعامل مع الملفات الاستراتيجية، بما في ذلك ملف المياه. ورغم حساسية هذا الملف وأثره المباشر على حياة المواطنين، تميزت إدارته للأزمة بعدم الكفاءة والتخاذل، مما أدى إلى تفاقم الوضع. على سبيل المثال، أثناء مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، بدت الحكومة المصرية وكأنها تتحرك ببطء شديد، معتمدة على الأمل في التوصل إلى حلول دبلوماسية دون أي خطة بديلة فعالة. وفي حالة اتفاقية عنتيبي، كان من المفترض أن تلعب مصر دورًا أكثر حزمًا في التواصل مع دول حوض النيل ومحاولة التوصل إلى تسوية تحفظ حقوقها. لكن النظام اكتفى بالبيانات الشكلية والمفاوضات التي افتقرت إلى أي ضغط حقيقي على الأطراف المعنية، مما سمح لدول المنبع بالتمادي في موقفها، والتوصل إلى اتفاقيات تقوض مصالح مصر. تفريط السيسي في حقوق مصر المائية التفريط في ملف مياه النيل ليس الحادثة الأولى التي يُظهر فيها النظام الحاكم ضعفًا في حماية مصالح مصر الاستراتيجية. فمنذ وصول السيسي إلى السلطة، تكررت مواقف النظام التي عكست إهماله للملفات الحيوية مثل ملف الطاقة وبيع الأصول الوطنية، والآن يأتي ملف المياه ليضيف صفحة جديدة في سجل التفريط. مع دخول اتفاقية عنتيبي حيز التنفيذ، تواجه مصر تهديدًا مباشرًا لحصتها التاريخية من مياه النيل. فالاتفاقية تمنح دول المنبع حرية أكبر في استغلال المياه دون الحاجة إلى موافقة مصر، وهو ما يعني أن القاهرة قد تفقد سيطرتها على شريان حياتها الرئيسي. رغم ذلك، لم يقدم النظام أي استراتيجيات واضحة أو خطوات عملية للتعامل مع هذا التهديد. التبعات الكارثية على مصر مصر تعتمد بنسبة كبيرة على مياه النيل لتلبية احتياجاتها في الزراعة والصناعة والمياه الصالحة للشرب. وبالتالي، فإن أي تقليص في حصة مصر من مياه النيل سيؤدي إلى كوارث اقتصادية واجتماعية. ومع تزايد الضغوط السكانية وتغير المناخ، ستصبح البلاد أكثر عرضة لأزمات مائية قد تؤدي إلى تفاقم البطالة، وزيادة الفقر، وانهيار قطاعات حيوية مثل الزراعة. والمثير للسخرية أن الحكومة المصرية، بدلًا من أن تسعى لحل الأزمة، قد تكون هي السبب الأساسي في تضخيمها. فالسيسي ونظامه لم يظهروا أي حزم في المفاوضات، وفضلوا الاستمرار في خطاباتهم المعتادة حول الوطنية والإنجازات الوهمية بينما يتجاهلون الحقائق المريرة التي تهدد مستقبل البلاد. ما يجب فعله على الرغم من التخاذل الواضح للنظام الحالي، لا يزال هناك بعض الخيارات التي يمكن أن تساعد في تقليل الخسائر. يجب على الحكومة المصرية اتخاذ خطوات جادة وفورية للتفاوض مع دول المنبع ومحاولة إعادة ترتيب الأوراق. يجب أيضًا تعزيز التعاون الإقليمي والدولي للحصول على دعم دولي في قضية مياه النيل. كما ينبغي على مصر تبني استراتيجيات وطنية للتكيف مع الواقع الجديد، من خلال تحسين إدارة المياه وتقليل الفاقد، بالإضافة إلى دعم الزراعة الذكية التي تعتمد على كميات أقل من المياه. لكن الأهم من كل ذلك، هو أن تتحمل القيادة المصرية مسؤوليتها الكاملة في هذه الأزمة، وأن تعترف بأخطائها وتبدأ في اتخاذ خطوات ملموسة تعكس جدية حقيقية في حماية حقوق مصر المائية، بدلاً من التمادي في السياسات الفاشلة التي أوصلت البلاد إلى هذا المأزق.
ختاما؛ دخول اتفاقية عنتيبي حيز التنفيذ يمثل علامة فارقة في الأزمة المائية التي تواجهها مصر، ويكشف عن التخاذل الصارخ في إدارة هذا الملف الحيوي. بينما تواصل حكومة السيسي إطلاق الوعود الفارغة، يواجه الشعب المصري خطر فقدان أحد أهم مصادر الحياة في البلاد. وإذا لم تتخذ الحكومة إجراءات عاجلة، فإن المستقبل المائي لمصر سيكون في خطر داهم، مع ما يحمله ذلك من تداعيات كارثية على الاقتصاد والحياة اليومية للمواطنين.

