26 / 01 / 2011

حازم سعيد :

لن أطيل عليكم فى وصف ما حدث أمس فى بلدى مصر ولن أحلل أسبابه أو نتائجه أو أدعى أنه يومُ فارق فى خريطة الحياة السياسية المصرية .. فالأول قام به كل وكالات الأنباء .. والثانى يعد تعجلاً منى .. لا سيما والمظاهرات ممتدة فى بعض المدن - وما زالت - أثناء كتابة هذا المقال ..
أما الذى أقف معه فهو ظاهرة شهدتها انتفاضة الأمس ، وهى تتكرر أمامى للمرة الثانية فى غضون أشهر معدودة ولكن هذه المرة بشكل أقوى وصورة أعم ..
هذه الظاهرة تمثلت فى الشباب " زى الورد " الذين خصصتهم بهذه المقالة ، وحق لهم أن نفرد لهم كتباً لا مقالات ..
إنهم شباب أحيوا الأمل فى نفوسنا بمستقبل مشرق لهذا البلد الذي أشاع المنتفعون أنه بلد سلبي وصدقناهم وأصبحت هذه المقولة راسخة فى وعينا ولا وعينا وأضحت تجرى منا مجرى الدم من العروق .
ليأتى هؤلاء الشباب ويقول : أفيقوا ، وتيقظوا من سباتكم الطويل ، فمصر قادرة على أن تلد شباباً يحملون همها وينتفضون من أجلها ولا يخافون من طوارئ ولا داخلية ولا شرطة ولا عساكر أمن مركزى .
شباب فى عمر الزهور أولئك الذين حركوا التظاهرات وكانوا ملء السمع والبصر ، أعرف كثيراً منهم ممن لم تتجاوز أعمارهم السابعة والثامنة والتاسعة عشر ، ويقولون لأبناء جيلى الذين اقتحموا حاجز الأربعينات وتوسطوه أوشارفوا على تجاوزه : " يا عمو فلان " ، وكنا نحسبهم غلماناً صغاراً " بتوع نت " كل همهم متابعة الألعاب الحديثة وتنزيلات الأفلام والشات وخلافه ..
فإذا بهم يفاجئوننا بدعواتهم المنظمة على النت ، ثم استجابتهم الجماعية المبهرة ليخرجوا إلى الشارع ويملؤوه بصورة حضارية لا تترك لبلطجية الأمن أو الداخلية مجالاً لتشويه أو لى أعناق الأحداث ليضطروا من قوة المشهد الحضارى إلى إصدار بيان يتهمون فيه الإخوان بتنظيم المظاهرات ومحاولة تكدير الرأى العام ، وبعد يوم طويل من الفشل فى اتخاذ أى ذريعة لتشويه صورة أولئك الزهور الحضارية .
فعلها الشباب من قبل بصورة أقل من حيث العدد ، مشابهة من ناحية الشكل والمظهر الحضارى والسلوك الإيجابى عندما تضامنوا مع خالد سعيد – رحمه الله – وانتفضوا من أجله فى وقفات سلمية راقية بالمصاحف قراءة وابتهالاً ولفت لنظر الأمة من أجل قتيل بلطجة الأمن المصرى .
ثم ها هم يعاودون الكرة من أجل بلدهم وبصورة أشد وأقوى ، بل وأتوقع صوراً أقوى وأقوى فى المرات القادمة إن شاء الله .
لقد حرك هؤلاء الشباب كرة الثلج التى أشاعوا أنها تكمن فى دماء المصريين ، وأذابوها ليزيحوا إرثاً من الشائعات كانت تستفيد منه الحكومات المزورة التى تستولى على مقدرات هذا البلد ..حين يطلقون الشائعات حول سلبية الشعب المصرى وويرسخونها فى عقولنا وفى جمعنا اللاواعى ، حينها لا ننتفض ولا نثور ولا نطالب بحقوقنا ، ولا بحقوق بلادنا المنهوبة المسلوبة .
إن أعمار هؤلاء الورود والرياحين وأكثريتهم التى لم تبارح عقد العشرينات لجديرة بإيقاظ جيل بل أجيال تربت على يد هذه الحكومة الثلاثينية الطوارئية المهترئة ليحيوا فينا الأمل بمستقبل مشرق باسم لبلادى ، وبأن أمل التغيير والذى كان حلماً يوشك أن يتحقق بأمثال هؤلاء الشجعان .
إن وقفة هؤلاء الشباب ، وكيف فكروا – ابتداءاً - فى شئون هذا البلد المنكوب ، وكيف اتخذوا قراراً بأن يكونوا رقماً صحيحاً فى تغيير مستقبله ، وكيف تكونت ونمت عندهم القناعات ثم العزيمة على التغيير ، وكيف تجمعوا وهم لا يعرفون بعضهم البعض سوى من خلال النت والفيس بوك ، وكيف اتخذوا هذه الوسيلة السلمية الراقية ، وكيف استمر سلوكهم طوال اليوم لا يغبره شائبة ولا ينقص من حضاريته أى تصرف .
أقول : إن وقفتهم بهذه الصورة لجديرة بأن يفكر فيها المخلصون والمنصفون من قادة العمل الوطنى وفى القلب منهم قادة العمل الإسلامى الوسطي ، فإن ما فعله هؤلاء حجة عليكم أيها المخلصون ، لأنهم تحركوا فى الأساس بدونكم ..
فأين أنتم من هؤلاء .. أين مشاريعكم وأين خططكم من استيعاب هؤلاء الزهور وترشيد خطواتهم كى تصب فى الصالح العام ولمستقبل هذا البلد .
أقول أن ما قدمه هؤلاء الورود من نموذج حر شجاع حضارى لجدير بأن تقفوا معه وقفة تراجع مناهجكم فى التعامل معهم واستفادتكم – لدينكم ثم بلدكم – لإصلاحها وتغيير الأوضاع المقلوبة فيهم .
أفسحوا المجال لهؤلاء الشباب .. وتعرفوا عليهم وعلى أحلامهم وعلى أفكارهم ، واستفيدوا منهم ، كونوا داعماً حقيقياً ومرشداً إيجابياً لهم .. بدلاً من أن تقفوا مكتوفى الأيدى تشاهدونهم وهم يعزفون لحناً راقياً  يشنف الآذان ويبهج النفوس ويسر الناظرين .
وإنى فاعل إن شاء الله .. ولى كل الشرف بأن أصاحب أولئك الزهور الأخيار الذين بعثوا أملاً راقداً فى نفسى بأن مستقبل الطغاة الجاثمين على صدورنا إلى زوال ..
وسوف نرى ذلك اليوم إن شاء الله ، " ويقولون متى هو : قل عسى أن يكون قريباً " .

ـــــــــــ

[email protected]