01 / 07 / 2010
حازم سعيد
أخرج الإمام أحمد في مسنده والطبراني في المعجم الكبير وابن حبان في صحيحه بإسناد جيد عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها وأولهن نقضاً: الحكم،وآخرهن الصلاة)) .
أتذكر هذا الحديث دائماً عند كل هجمة يشنها العلمانيون على ثوابت هذا الدين وأركانه بحجج واهية ، سواءاً تم هذه الهجوم بطريقة مباشرة وواضحة أو بلف ودوران وتحايل .
وقد بدأه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله " لتنقضن " وهو قول يوحى لفهمى الظاهرى وللوهلة الأولى بنوع مفاعلة شديدة بين تيارين أحدهم يتمسك بثوابت وعرى هذا الدين المتين والآخر يحاول نقضها بشدة وقوة ومفاعلة وتحدث مجاذبة بين الطرفين حتى يستطيع ذلك الآخر أن ينقضها نقضاً فيستخدم النبى صلى الله عليه وسلم التوكيد باللام وتشديد النون فى إخباره عن نقض هذه العرى ..
القاهرة اليوم والقضايا الدينية
لست هنا فى مقام شرح هذا الحديث الشريف وإنما أستعرض ما شاهدته بالقاهرة اليوم " عمرو أديب " خلال أيام قليلة بإثارة قضايا دينية ، ليست من قضايا الرأى العام التى تفرد لها الساعات لمناقشتها .
أنا أفهم أن برنامج " القاهرة اليوم " وغيره من برامج " التوك شو " التى امتلأت بها فضائياتنا هذه الأيام حتى أنها جميعاً تعرض فى توقيت واحد يتعذر معه متابعة إلا أحدها أو بعضها فى الأغلب الأعم .. أقول : أفهم أن هذه البرامج تتناول ما يعن للناس يومياً من قضايا شهيرة تهم الرأى العام .
ولا أظن بفهمى البسيط المتواضع أن كلتا القضيتان اللتان شاهدتهما بالقاهرة اليوم من قضايا الرأى العام التى تعطى فيها كلتاهما هذه المساحة الزمنية التى أفردت لهما ..
أما الأولى فكانت " حلقة من البرنامج " احتوت دعوة لضم دار الإفتاء ووزارة الأوقاف ومشيخة الأزهر جنباً إلى جنب فى كيان واحد يتبع مباشرة لرئاسة الجمهورية ، وهى الدعوة التى تحمس لها مقدم البرنامج " عمرو أديب " وجادل فيها كثيراً محسناً هذه الفكرة التى تضع كل كيانات العلم الشرعى والعلماء تحت التبعية المباشرة لرئاسة الجمهورية ، وهو الطرح الذى يحمل دلالات خطيرة جداً من تكميم لأفواه العلماء ، حيث من يمد يده للحاكم لا يمكن أبداً أن يعارضه أو أن يصدر ما من شأنه تكدير صفوه ، فتؤمم الكلمة ، ويسكت العلماء .
والحلقة الثانية تحدثت عن أخطاء – زعم مخترعها – أن صحيح البخارى احتواها بين طياته عمدتها أن الصحابى الجليل عبد الله بن مسعود رضى الله عنه رفض كون المعوذتين من القرآن ..
اللافت للنظر أن البرنامج استضاف فى المرتين الشيخ جمال قطب الذى تحمس بشدة وغيرة – أحسبها ساذجة – لطرح مقدم البرنامج عن ضم الهيئات الثلاثة ، وفى المرة الثانية دافع بانهزامية عن البخارى فأردى الصحيح قتيلاً من حيث لا يدرى حين قال أن الأزهر انتقى من البخارى ما يدعى الشيخ جمال أنه مختارات الصحيح بمعنى أنها هى الصحيحة وما دونها غير ذلك .. فى انهزامية عجيبة .. وفى المرتين أفرد لصاحب الدعوى وللشيخ جمال المساحة الزمنية التى تؤدى لما يريده مقدم البرنامج .. فى الأولى من توكيد الدعوة لتبعية المؤسسات للرئاسة الديكتاتورية .. وفى الثانية من ضرب رمز ثابت وعروة من عرى الأمة التى تسمى " صحيح البخارى " .
أما عن صحيح البخاري فشأنه أنه كتاب تلقته الأمة قاطبة بالقبول ، ولا يوجد فيه حديث واحد ضعيف ، حيث اشترط البخارى – رحمه الله – على نفسه ذلك واتبع أصح وأوضح أساليب علم الرواية ووفى وأخلص فى هذا الأمر – والله حسيبه – وتلقفت الأمة كتابه من بعده بالقبول والرضا والتسليم .. بعد المراجعة والتدقيق والتمحيص .
يكفيك لتدرك قيمة البخارى ما يقوله العوام حين تخطئ فى قول أو مسألة : " هو احنا غلطنا فى البخارى ؟ " ..
الرد على الشبهة
والرد على بعض الشبهات التى أثارها المستشار صاحب الدعوى سهل ويسير كان يمكن لبعض من قاموا بالمداخلة الهاتفية إظهاره .. إلا أن مقاطعة مقدم البرنامج وإنهاء المكالمات بصورة فجة بدعوى أن هناك آخرين يريدون عمل مداخلات حال دون إظهار هذا الرد ..
وخالص الرد على الشبهة يتضح من سرد الرواية :
أخرج البخاري عن زر بن حبيش قال أتيت المدينة فلقيت أبي بن كعب فقلت يا أبا المنذر إني رأيت ابن مسعود لا يكتب المعوذتين في مصحفه. فقال أما والذي بعث محمداً بالحق قد سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنهما وما سألني عنهما أحد منذ سألته غيرك. قال قيل لي فقلت فقولوا فنحن نقول كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
هنا نقطتين :
الأولى أن السرد التاريخى لما رواه البخارى بسنده ثابت صحيح بمعنى أن أبا المنذر حكى لأبى بن كعب أنه رأى ابن مسعود فعل ذلك وأجابه أبى بالجواب الذى يعنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال أنهما من القرآن . ولم يتعرض أبى بن كعب لابن مسعود رضى الله عنه بشئ . وبناءاً عليه لا يكون البخارى حوى فى صحيحه رواية غير ثابتة أو غير صحيحة أبداً لأن هذا الحدث الذى صلبه الحوار الدائر بين أبى المنذر وبين أبى بن كعب قد وقع فعلاً وحكاه البخارى بسنده وبروايته الصحيحة الثابتة فلم يكذب البخارى أو يروى شيئاً غير صحيحاً فى هذه الرواية .
الثانية موقف الصحابى الجليل عبد الله بن مسعود رضى الله عنه – ورغم أنه ليس موضع حديثنا – إلا أنه من نافلة القول هنا أن نذكر أن العلماء تناولوا ما نسب إليه رضى الله عنه بالدفاع عن شيئين ، الأول : ثبوت فعل ابن مسعود رضى الله عنه ذلك من عدمه وقد رجح العديد أنه لم يقل أو يفعل ذلك ، ومن قال أنه فعل فقد تأول له بأن ذلك قبل أن يجمع الصحابة ويتفقوا على إثبات المعوذتين فى المصحف وأنه ورد عنه بعد ذلك قراءات ثابتة تنتهى إليه فيها المعوذتان .
الشئ الثانى الذى اهتموا بالدفاع عنه هو كون المعوذتين من القرآن أم لا .. وهو الأمر الثابت اليقينى المجمع عليه من الأمة قاطبة فلا حاجة إلى سرد دليل عليه .
الهجمة " العلمانية – الشيعية " الشرسة على ثوابت السنة
تلاقت هذه المرة مصالح الشيعة مع العلمانية فترى هجوماً متواتراً – لا يستطيع مثلى أن يحسن الظن أبداً ويدعى أنه صدفة أو أنه لم يدبر بليل الفتن الحالكة السواد .
وقد رأيت فى نفس الأسبوع هجوماً عنيفاً على البخارى وصحيحه بالمغرب من علمانيين وموالين لليهود ، وأيضاً هجوماً شرساً على الصحابى الجليل أبى هريرة رضى الله عنه مكرر ومعاد من إبراهيم عيسى الكاتب المصرى المعروف بخلاف العديد من الهجمات الشرسة على أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها من ذوى ميول شيعية هنا وهناك ..
إن خطورة هذا الهجوم على رواية أو روايتين بالبخارى أو أبى هريرة أو عائشة رضى الله عنهما لظاهر الوضوح أنه ضرب فى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولك أن تعلم أن البخارى هو عمدة أهل السنة فى العديد من الأحكام والتشريعات بل والعقائد .. ولك أن تعرف أن أبا هريرة رضى الله عنه وأم المؤمنين الطاهرة المطهرة عائشة رضى الله عنها أصحاب أكثر الروايات فى كتب السنة الصحيحة والتى تحتوى أحكام شريعتنا وعقيدتنا ومذهبنا السنى ..
فالتشكيك فى البخارى أو أبى هريرة أو عائشة هو تشكيك فى سنة النبى صلى الله عليه وسلم كلها ، حيث لن يتبقى لنا من السنة شئ ..
وهذا هو ما يلاقى هوى العلمانية والشيعة على السواء .. وهذا هو سر الهجمة العنيفة الشرسة التى يتعرضون لها فى هذه الأيام التى قل فيها الناصر سواك يا رب سبحانك .. أنت القوى القادر المقتدر .. سبحانك
أطلت ولكن ..
ينبغي أن نظل حذرين منتبهين لهذه الهجمات الشرسة الموجهة لهوية الأمة وتميزها وثوابتها وعراها ..
حين تضرب سنة النبى صلى الله عليه وسلم فأنت تمح هويتى وعقيدتى وشريعتى فلا يبقى لى من أمرى شئ .
لذا ينبغى أن يتفطن المخلصون والمصلحون لهذه الدعاوى والشبهات التى تثار يوماً بعد الآخر ، والعجيب أن مثيرها هم أهل منابر لا يهمهم سوى الأهواء والشهوات ، ولو تتبعت حالهم فى يومهم وليلتهم وحياتهم كلها لوجدت تفلتاً من كل ما يرتبط بدين الله من أحكام أو تشريعات . فلماذا يظهرون الغيرة الآن على تنقية البخارى مما يزعمون أنه ضعيف .. وهم أصلاً لا يعبؤون بما اتفق على أنه صحيح ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ دعوى منى تحتاج لإجابتهم .. ولا أحسبهم يستطيعون .
___________
بعض الروابط المفيدة :
رد الشيخ الألبانى رحمه الله فيما نسب لعبد الله بن مسعود رضى الله عليه :
http://www.almenhaj.net/makal.php?linkid=2270
فيديو القاهرة اليوم فى موضوع صحيح البخارى : الجزء الأول .. ومنه تستطيع الدخول لبقية الأجزاء :
http://videohat.masrawy.com/view_video.php?viewkey=c2382b1264b653125644

