11/1/2009
جاء رجل إلى المعتصم فقال له:
يا أمير المؤمنين : كنت بعمورية فرأيت بسوقها امرأة عربية مهيبة جليلة، تساوم روميًا في سلعة فحاول أن يتغفلها ففوتت عليه غرضه ، فأغلظ لها ، فردت عدوانه بمثله ، فلطمها على وجهها لطمة فصاحت في لهفة : وامعتصماه!! وامعتصماه!!
فقال الرومي : وماذا يقدر عليه المعتصم.. وأنى له بي ؟
فأمر المعتصم بأن يستعد الجيش لمحاصرة عمورية، فمضى إليها، فلما استعصت عليه قال : اجعلو النار في المجانيق وارموا الحصون رميًا متتابعًا، ففعلوا فاستسلمت، ودخل المعتصم عمورية فبحث عن المرأة فلما حضرت قال لها :هل أجابك المعتصم؟ قالت: نعم .
فلما استقدم الرجل قالت له : هذا هو المعتصم قد جاء وأخزاك.
فقال لها المعتصم : قولي فيه قولك .
قالت : أعز الله أمير المؤمنين، بحسبي من المجد أنك ثأرت لي، بحسبي من الفخر أنك انتصرت لي، فهل يأذن لي أمير المؤمنين في أن أعفو عنه وأدع مالي له .
فأُعجب المعتصم بمقالها وقال لها : لأنت جديرة حقًا بأن حاربتُ الروم ثأرًا لك ، ولتعلم الروم أننا نعفو حينما نقدر.
وما أجمل ما سطره عمر أبو ريشة حين قال:
أمتي هل لك بيـن الأمـم منبـر للسـيـف أو للقـلـم
أتلقـاك وطـرفي مطـرق خجلاً من أمسـك المنصـرم
أين دنياك التي أوحـت إلى وتـرى كـل يتـيـم النغم ؟
كم تخطيت علـى أصدائـه ملعب العـز ومغـنى الشمـم
وتهاديـت كأنـي ساحـب مئزري فوق جـباه الأنجـم
أمتي كـم غصـة داميـة خنقت نجوى علاك فـي فمي
ألإسـرائيـل تعلـو رايـة في حمى المهد وظل الحرم ؟
كيف أغضيت على الذل ولم ولم تنفضي عنك غبار التهم ؟
أو ما كنت إذا البغي اعتـدى موجـة مـن لهـب أو دم ؟
اسمعي نوح الحزانى واطربي وانظري دم اليتامى وابسـمي
ودعي القـادة في أهوائهـا تتفانى في خسيـس المغـنم
رب وامعتـصماه انطلقـت مـلء أفـواه الصبايـا اليتّم
لامسـت أسماعهـم لكـنها لم تلامس نخـوة المعتصـم
أمتي كـم صـنم مجـدتـه لم يكن يحمـل طهـر الصنم
لا يلام الذئب فـي عدوانـه إن يـك الراعـي عـدو الغنم
فاحبسي الشكوى فلولاك لما كان في الحكم عبيـد الدرهـم
هكذا كان القادة العظام ، يرفضون الذلة والعار، ويأبون الدنية في الدين ، ولو كان ذلك من أجل امرأة واحدة ، إلا أنها في الحقيقة تمثل عزة الأمة وكرامتها وكبرياءها.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل كان الأمراء المسلمون الذين روى التاريخ عنهم كل فضيحة وشائنة، ولم يعدوا قط في طبقة الصالحين الأبرار، أو العادلين الأخيار، ولم يزعموا لأنفسهم فضلا في دين أو علم، بل اعترفوا بذنوبهم، وأقروا بخطاياهم، بلغت بهم الحمية الإسلامية، إلى أن أرسلوا جيوشًا كثيفة يقودها أفضل قادتهم، وأعزهم عليهم، لحماية بيت من بيوت المسلمين، أو نسوة غريبات تعرض لهن بعض من لا خلاق لهم بأذى أو اعتداء، وكانت مغامرة خطرة، وقاهم الله شرها، لإخلاص نيتهم، وسمو عاطفتهم، وكان سبب فتح عظيم، وبداية عهد جديد.
فقد روى "البلاذري" في كتابة الشهير " فتوح البلدان: أن نسوة مسلمات في سفينة، عرض لهن قوم من "ميد الديبل " (من أقدم الشعوب الهندية) في بوارج، فأخذوا السفينة بما فيها، فنادت امرأة منهن، وكانت من بني يربوع: يا حجاج! يا حجاج!
وبلغ الحجاج ذلك، فقال: "يا لبيك" فأرسل إلى "داهر" ليسأله تخلية النسوة، فقال: إنما أخذهن لصوص لا أقدر عليهم، فأغزا الحجاج "عبيد الله بن نبهان" "الديبل" (مدينة شهيرة على ساحل الهند)، فقُتل، ثم أمر "بديل بن طهفة"، فلما قُتل، ولَّى الحجاج "محمد بن القاسم الثقفي" في أيام "الوليد بن عبدالملك"، فغزا السند وفتحها بإذن الله وجاء برأس ملكهم داهره.
ولله در القائل:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانًا
فما بالنا والذي يحدث الآن لا يمس شخصًا واحدًا، وإنما يمس مليون ونصف المليون مسلم، فلا تزال طائرات "إف 16" أمريكية الصنع تحوم في كل مكان، والمروحيات والزوارق الحربية لا تكف عن إطلاق نيرانها ، عشرات المواقع الأمنية والمنازل والمساجد والجامعات والمراكز الإعلامية تحولت إلى أكوام من الحجارة ، وبعضها بقيت جثث الشهداء تحتها لأكثر من 12 ساعة.
ولا يزال قادة أمتنا يشجبون وينددون ويستنكرون ، ولا زالت وسائل الإعلام تطالعنا كل يوم بأصناف من العذاب وألوان من المجازر تُصب على إخواننا في غزة صبًّا.. قصف وقتل، سجن وأسر، تجويع وترويع، حصار ودمار، كل ذلك وغيره كثير، ويومياً وبلا توقف، يُصيب إخواننا الفلسطينيين بأيدي النازيين الجدد، وبمباركة وتأييد وأسلحة أمريكية، وبصمت عربي وإسلامي ودولي ، بل وبتواطىء مكشوف لبعض الدول العربية، فيا للأسف، ويا للعجب.
يا أمتـي وجـب الكفـاح فدعي التشدق والصياح
ودعي التقاعس ليس يُنصر من تقاعـس واستـراح
ودعي الريـاء فقـد تكلمت المـذابـح والـجـراح
كذب الدعـاة إلى السـلام فلا سـلامُ ولا سـمـاح
ما عاد يجدينا البكاء على الطـلـول ولا الـنـواح
غريب أمر أنظمتنا العربية والإسلامية.. لا أدري ما الذي حدث لها وأي مَسٍّ أصابها!! لم تعد تستطيع أن تفعل شيئاً، حتى لم تعد تستطيع أن تجتمع لتتفق على أن لا تفعل شيئاً !! الدنيا تشتعل من حولهم، والشعوب تكاد تنفجر ، والجثث والأشلاء والتدمير والصراخ والهول يرونه حياً وعلى الهواء مباشرة، ومع كل ذلك لا يحركون ساكناً، وصدق من قال:
لقد أسمعت لو ناديـت حيا ولكن لا حياة لمـن تنادي
ولو ناراً نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رمادي
كأني بسبط الإمام ابن الجوزي (رحمه الله)، وكان خطيب المسجد الأموي بدمشق، وقد بعثت بعض فتيات دمشق بضفائرهن إليه لتكون قيوداً ولجماً لخيول المجاهدين الذين يخرجون لتحرير فلسطين، فخطب الجوزي برجال الشام وهو يمسك بشعور الفتيات قائلاً:
"يا من أمرهم دينهم بالجهاد حتى يفتحوا العالم ويهدوا البشر إلى دينهم فقعدوا حتى فتح العدو بلادهم وفتنهم عن دينهم..
يا من حكم أجدادهم بالحق أقطار الأرض ، وحُكموا هم بالباطل فى ديارهم وأوطانهم..
يا من باع أجدادهم نفوسهم من الله بأن لهم الجنة ، وباعوا هم الجنة بأطماع نفوس صغيرة ، ولذائذ حياة ذليلة..
يا أيها الناس .. مالكم نسيتم دينكم ، وتركتم عزتكم ، وقعدتم عن نصر الله فلم ينصركم، وحسبتم أن العزة للمشركين ، وقد جعل الله العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ؟
يا ويحكم .. أما يؤلمكم ويشجي نفوسكم مرأى عدو الله وعدوكم يخطو على أرضكم التى سقاها بالدماء آباؤكم، ويذلكم ويتعبكم وأنتم كنتم سادة الدنيا ؟
أما يهز قلوبكم وينمى حماستكم ، أن إخواناً لكم قد أحاط بهم العدو وسامهم ألوان الخسف ؟
أما في البلد عربي ؟ أما في البلد مسلم ؟ أما في البلد إنسان؟
العربي ينصر العربي، والمسلم يعين المسلم ، والإنسان يرحم الإنسان .. فمن لا يهبّ لنصرة فلسطين لا يكون عربياً ولا مسلماً ولا إنساناً ...
أفتأكلون وتشربون وتنعمون وإخوانكم هناك يتسربلون باللهب، ويخوضون النار، وينامون على الجمر؟!
يا أيها الناس .. إنها قد دارت رحى الحرب ونادى منادي الجهاد ، وتفتحت أبواب السماء ، فإن لم تكونوا من فرسان الحرب فافسحوا الطريق للنساء يُدِرْنَ رحاها ، واذهبوا فخذوا المجامر والمكاحل ، يا نساء بعمائم ولحى .. أو لا.. فإلى الخيول وهاكم لُجُمُها وقيودها..
هذه ضفائر المخدرات ، التى لم تكن تبصرها عين الشمس، صيانة وحفظاً، قطعنها لأنَّ تاريخ الحبّ قد انتهى، وابتدأ تاريخ الحرب المقدسة، الحرب في سبيل الله، وفى سبيل الأرض والعرض ، فإذا لم تقدروا على الخيل تقيدونها بها ، فخذوها فاجعلوها ذوائب لكم وضفائر..
إنها من شعور النساء ، ألم يبق في نفوسكم شعور؟!!
وألقاها من فوق المنبر على رؤوس الناس صارخاً :
تصدّعي أيتها القبة ، ميدي يا عُمُد المسجد ، انقضي يا رجوم ، لقد أضاع الرجال رجولتهم..
فصاح الناس صيحة ما سمع مثلها ، ووثبوا يطلبون الموت.
أعندكم نـبأ مـن أهـل أندلـس فقد سرى بحديث القوم ركبـان
كم يستغيث بنا المستضعفون وهم قتلى وأسرى فما يهتـز إنسان
ماذا التقاطع في الإسـلام بينكـم وأنتم يـا عبـاد الله إخـوان؟!
ألا نفـوس أبـيات لهـا همـم أما على الخير أنصار وأعوان!
لمثل هذا يذوب القلب مـن كمـد إن كان في القلب إسلام وإيمان
إن أقل الوجب تجاه إخواننا في غزة يكمن في الأمور السبعة التالية:
(1). الوقوف معهم ونصرتهم وعدم التهجم عليهم أو اتهامهم بأنهم سبب هذه المجزرة.
(2). الدعاء والتبرع لهم.
(3). فك الحصار عنهم وفتح معبر رفح وللأبد، ورفض الالتزام بأي ميثاق يؤذي إخواننا في فلسطين.
(4). طرد السفراء الإسرائيليين، وإلغاء معاهدات الاستسلام، والتوحد ضد الكيان الصهيوني ومن يقف وراءه.
(5). السماح للشعوب بالتعبير عن نصرتها لإخوانهم في غزة وذلك عن طريق المهرجانات والمحاضرات وخطب الجمعة والمسيرات والمظاهرات والمقالات وغيرها.
(6). توجيه الإعلام الرسمي، خاصة القنوات الفضائية، ليكف عن استهتاره ومجونه، وليتوجه إلى تغطية ما يحدث في غزة وتحفيز الناس لنصرة إخوانهم هناك.
(7). إذا تمادى الكيان الصهيوني ولم يوقف هذا العدوان فلا يسع الدول العربية والإسلامية عندها إلا الدعوة للجهاد في سبيل الله صادقين غير منافقين، وعندها سيرى العالم كيف يخنس شيطان الصهاينة وكيف يذلون ويختبئون في ملاجئهم، وصدق الله إذ يقول: " لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ". ( الحشر، الآية: 14)
غض المفاوض صوتـه فتكلمي بلسان نار يا كتائب أو دمي
لم يفهم المحتـل مـن خطبائنا فلتُفهموا المحتل ما لم يفهم
تتحرر الأوطـان بالدم وحـده إن الخطابة رأس مال المعدم
قل للشبيبة أنت مصباح الحمى وصباحه في كـل داج مظلم
قد دق ناقوس الجهاد فأنصتي ودعا الحمى أبطاله فتقدمـي

