في خطوة تكشف عن الوجه الحقيقي لمخططات إعادة رسم خريطة المنطقة، لم يكن الاعتراف الإسرائيلي الرسمي بـ"أرض الصومال" (صوماليلاند) مجرد مناورة دبلوماسية عابرة، بل هو تدشين رسمي لمرحلة جديدة من "حرب الممرات" ومحاولات تفكيك الأمن القومي العربي من بوابته الجنوبية.
هذا التحرك، الذي وصفه مراقبون بأنه تطبيق عملي لنظرية "شد الأطراف" وتطويق العمق العربي، يحمل في طياته تهديدات وجودية لدول المركز، وعلى رأسها مصر والسعودية، ويمهد الطريق لهيمنة إسرائيلية كاملة على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، مستغلة حالة التشرذم العربي والتواطؤ الإقليمي لبعض الأطراف الوظيفية.
إن قراءة المشهد بعين "الأمن القومي" تكشف أن ما يجري في القرن الأفريقي لا ينفصل عما يحدث في غزة أو جنوب اليمن أو السودان، بل هو جزء من فسيفساء "الشرق الأوسط الجديد" الذي هندسه شمعون بيريز ويطبقه نتنياهو اليوم بالنار والدم والتحالفات المشبوهة، بهدف تحويل إسرائيل من "كيان دخيل" إلى "مركز ثقل" يتحكم في شرايين التجارة والطاقة العالمية، ويحاصر خصومه في عقر دارهم.
حرب الممرات: "IMEC" بديلاً لقناة السويس
يرى السياسي أسامة رشدي أن الاعتراف بـ"أرض الصومال" هو حجر الأساس لمشروع الممر الاقتصادي (الهند – الخليج – إسرائيل – أوروبا) المعروف بـ IMEC، والذي صُمم ليكون البديل الاستراتيجي لقناة السويس وطريق الحرير الصيني.
فالتواجد الإسرائيلي في صوماليلاند، المطلة على خليج عدن، يمنح تل أبيب "زر التحكم" في عنق الزجاجة العالمي (باب المندب)، مما يمكنها من تأمين ممراتها التجارية الخاصة أو تعطيل ممرات الخصوم عند الحاجة.
ارض الصومال:
— أسامة رشدي (@OsamaRushdi) December 27, 2025
حرب الممرات الأمنية والتجارية
حين يتحول الاقتصاد إلى أداة أمن قومي
- - - - -
مشروع الصين العظيم الذي أُطلق منذ عام 2013 – مشروع #الحزام_والطريق–
ليس مجرد مبادرة تنموية أو اقتصادية، بل رؤية صينية شاملة لإعادة تشكيل خرائط التجارة والنفوذ العالمي، عبر ربط الصين بالعالم… pic.twitter.com/AsiUdhJ2bR
ويشير رشدي إلى أن هذا التواجد، المدعوم بتفاهمات مع الإمارات، يفتح الباب أمام بنية نفوذ أمني واستخباري متكاملة تغطي المسافة من الهند إلى أوروبا، مما يحول الاقتصاد إلى "أداة ابتزاز سياسي" ضد مصر، التي ستجد نفسها محاصرة ببدائل جاهزة لقناتها، وأداة ضغط لرفع تكلفة أي موقف مصري معارض. هذا التحرك هو عسكرة واضحة للممرات التجارية، تحول المنطقة من ساحة تعاون إلى بؤرة صراع دولي قد تأكل الأخضر واليابس.
تفتيت الدول: "الدومينو" يبدأ من الصومال واليمن
يتفق المحللون على أن الخطوة الإسرائيلية هي إشارة البدء لتنفيذ مخطط تفتيت الدول العربية إلى دويلات وكانتونات متصارعة.
الدكتور صريح صالح القاز يرى أن الاعتراف بصوماليلاند هو "رسالة تحفيزية" للمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، لإغرائه بإعلان الانفصال تحت وعود الاعتراف الدولي المماثل، مما يضمن بقاء اليمن في حالة "اللا دولة" واللا استقرار، ويحوله إلى قاعدة انطلاق إسرائيلية لتهديد الشمال اليمني ومحاصرة السعودية من خاصرتها الجنوبية.
ما وراء اعتراف الكيان الإسرaئيلي اليوم بإقليم أرض الصومال كدولة:
— د. صريح صالح القاز - Dr: sareeh saleh algaz (@sareehalgaz) December 26, 2025
- خطوة تشجيعية وتحفيزية للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي سبق أن صرح رئيسه عيدروس الزبيدي بأنه سيطبع العلاقات مع الكيان الإسرaئيلي في حال تم انفصال جنوب اليمن عن شماله لدفعه وتوريطه أكثر نحو إعلان الانفصال، من خلال… pic.twitter.com/8mikgRkfwX
وفي السياق ذاته، يحذر الصحفي عبد الباري عطوان من أن هذا الاعتراف هو "أول تطبيق رسمي لمخطط التفتيت"، متسائلاً عن الأهداف الخمسة لإسرائيل، والتي تتلخص في: خنق مصر، محاصرة اليمن، ابتزاز السعودية، السيطرة على البحر الأحمر، وتكريس الانقسام العربي.
هل جاء اعتراف إسرائيل بدويلة “ارض الصومال” اول تطبيق رسمي لمخطط التفتيت للدول العربية؟ وما هي الأهداف الإسرائيلية الخمسة من وراء هذه الخطوة؟ ولماذا ستكون السعودية ومصر أبرز الخاسرين؟ https://t.co/llrgCpBk3b via @raialyoum1
— عبد الباري عطوان (@abdelbariatwan) December 27, 2025
ويؤكد الكاتب ياسر الزعاترة أن ما يجري في الصومال واليمن والسودان وسوريا هو حلقات مترابطة لمشروع صهيو-أمريكي يهدف لتركيع الأمة، محذراً من أن "حبات المسبحة ستتساقط تباعاً" إذا لم يستفق عقلاء العرب ويتجاوزوا خلافاتهم الأيديولوجية لمواجهة هذا الخطر الوجودي.
عن دلالات قصة "صوماليلاند" وجنوب اليمن.. ولا تنسوا السودان وسوريا..
— ياسر الزعاترة (@YZaatreh) December 27, 2025
بوسع أهل كل قضية أن يقولوا فيها ما يشاؤون، ويطرحوا مظالمهم، لكن النظر إلى القضايا من وجهة نظر الأمن القومي العربي في مواجهة مشروع صهيوأمريكي يسعى لتركيع الأمّة يبدو مختلفا إلى حد كبير.
دعونا هنا نتذكّر القمة… pic.twitter.com/Q5pAso5Sno
الدور الوظيفي: "بصمات" إقليمية في الجريمة
لا يمكن قراءة التغلغل الإسرائيلي في القرن الأفريقي بمعزل عن الأدوار التي تلعبها بعض القوى الإقليمية. الدكتور فايز أبو شمالة يذهب إلى أن "أرض الصومال" هي دولة "صنعها محمد بن زايد وقدمها هدية لنتنياهو" لمحاصرة مصر وخنق اليمن، في إشارة صريحة للدور الإماراتي.
العدو الاسرائيلي يعترف بدولة أرض الصومال ويتعهد بتطوير العلاقة معها إلى حد التحالف،
— د. فايز أبو شمالة (@FayezShamm18239) December 26, 2025
أرض الصومال دولة صنعها محمد بن زايد وقدمها هدية لنتانياهو
لمحاصرة مصر العربية وخنق اليمن وتهديد السعودية
ويعزز هذا الطرح الكاتب نظام المهداوي، الذي انتقد عجز الدول العربية عن تسمية الأشياء بمسمياتها، مشيراً إلى أن الإمارات كانت الدولة الأولى التي رعت مشروع التقسيم واعترفت ضمنياً بصوماليلاند، ممهدة الطريق لـ"إسرائيل الكبرى" التي لا تقف عند حدود النيل والفرات، بل تتجاوزها لتطويق الإقليم بأكمله.
جميع الدول تُدين وتستنكر وترفض اعتراف الكيان الصهيوني بما يُسمّى «أرض الصومال».
— نظام المهداوي - Nezam Mahdawi (@NezamMahdawi) December 27, 2025
لكن، ولا دولة عربية واحدة امتلكت الشجاعة لتسمية #الإمارات، الدولة الأولى التي رعت مشروع تقسيم الصومال، وكانت السباقة إلى الاعتراف بما سُمّي «صوماليا لاند».
يومها، لم تصدر بيانات إدانة، ولم تتحرك… pic.twitter.com/u9BqlWQAg5
الدكتور مراد علي يضيف بعداً آخر، مشيراً إلى التنسيق الواضح بين الدولة العربية الداعمة للانفصال وبين إثيوبيا، التي تسعى لمنفذ بحري، مما يخلق "طوقاً جيوسياسياً" يهدد الأمن القومي المصري بشكل مباشر، خاصة في ظل تقاطع هذه التحركات مع ملف سد النهضة وأزمة دارفور.
أدانت مصر وتركيا وجيبوتي وجامعة الدول العربية اعتراف إسرائيل بانفصال أرض الصومال.
— Mourad Aly د. مراد علي (@mouradaly) December 26, 2025
ولا يمكن فصل هذا الاعتراف عن مسارٍ تراكمي بدأ بدعمٍ قدّمته دولةٌ عربية ذات علاقات وثيقة بإسرائيل لحركة انفصالية، في تنسيقٍ واضح مع إثيوبيا الساعية إلى الحصول على منفذٍ بحري على البحر الأحمر.
كما… pic.twitter.com/h1CsMEt4GI
استراتيجية المواجهة: سياسة مضادة لا بيانات شجب
أمام هذا التحدي الوجودي، يجمع الخبراء على أن بيانات الإدانة لم تعد تجدي نفعاً. المطلوب، كما يطرح أسامة رشدي، هو "سياسة مضادة" عاجلة ترتكز على تنسيق استراتيجي بين مصر والسعودية وتركيا، وشراكة مباشرة مع الحكومة الصومالية المركزية لتقويتها، وتثبيت قواعد أمن بحري إقليمي تمنع إسرائيل من الاستفراد بالممرات المائية.
إن البحر الأحمر وباب المندب ليسا مجرد ملف اقتصادي، بل هما "مسألة أمن قومي عربي من الدرجة الأولى". وأي تأخير في صياغة ردع عربي مشترك سيعني تسليم مفاتيح المنطقة بالكامل للمشروع الصهيوني، الذي يسعى لتحويل العرب من "أصحاب أرض" إلى "مجرد سكان" في كانتونات ممزقة، تتحكم في مصيرهم تل أبيب من غرف عملياتها في هرجيسا وعدن وسواكن.
لماذا اعترف نتنياهو بدولة صومال لاند ( أرض الصومال ) ؟
— Fayed Abushammalah. فايد أبو شمالة (@fayedfa) December 26, 2025
تكفي نظرة إلى الخريطة لتعرف أن نتنياهو يريد موطئ قدم في موقع استراتيجي يطل على خليج عدن و باب المندب.
لن يمر وقت طويل حتى تكون هناك قواعد عسكرية صهيونية وموانئ تتحكم بحركة الملاحة في المنطقة ومحاصرة اليمن. pic.twitter.com/wlcdLw7ge3

