ما جرى في البطولة العربية والخروج المذل بالهزيمة أمام المنتخب الأردني بثلاثة أهداف للاشيئ، لم يكن تعثرًا عابرًا لمنتخب يمر بمرحلة انتقالية، بل نتيجة مباشرة لسنوات من الفساد والمحسوبية وسوء الإدارة داخل اتحاد الكرة، الذي تعامل مع اسم مصر بوصفه رصيدًا مجانيًا يمكن استهلاكه بلا تخطيط ولا محاسبة. اختيار جهاز فني غير مناسب، وطاقم إداري مكرّر الفشل، وإصرار على إهدار أفضل عناصر الدوري، ثم أداء كارثي في الملعب، كلها حلقات في سلسلة واحدة: اتحاد لا يحترم معايير الكفاءة ولا قيمة القميص الذي يمثله.

 

اختيار حلمي طولان.. قرار محسوبيات لا كرة

 

تعيين حلمي طولان مديرًا فنيًا للمنتخب العربي رغم ابتعاده عن التدريب لفترة طويلة، ورغم أنه لم يقد أي منتخب وطني من قبل، يعكس طريقة التفكير داخل اتحاد الكرة: أسماء يتم اختيارها بناءً على التاريخ والعلاقات، لا على الجاهزية الفنية ولا الرؤية المعاصرة للعبة. طولان مدرب له مشواره في الكرة المصرية، لكن إدارة منتخب وطني في بطولة مجمعة تحتاج إلى مدرب يعيش التفاصيل اليومية للكرة الحديثة، على دراية بأساليب الإعداد البدني والتحليل الرقمي والتخطيط الذهني، لا اسم «تاريخي» يُستخدم لتغطية فراغ المشروع. هذا الاختيار كشف منذ اللحظة الأولى أن الاتحاد لا يبحث عن أفضل رجل للمهمة، بل عن اسم يمكن تمريره سياسيًا وإعلاميًا، حتى لو كان بعيدًا عن متطلبات اللعبة في 2025.

 

طاقم إداري فاشل.. نفس الوجوه ونفس النتائج

 

لم يقف الأمر عند المدير الفني؛ بل امتد إلى طاقم إداري مثير للجدل، يتصدّره أحمد حسن وعصام الحضري. أحمد حسن سبق أن فشل في تجاربه الإدارية والفنية داخل الكرة المصرية، ودخل في أكثر من صدام حول أسلوب إدارته وتعامله، ومع ذلك أعيد تدويره في منصب جديد بلا مراجعة حقيقية لتلك التجارب. عصام الحضري بدوره انتقل من إخفاق لآخر في محاولات التدريب والإدارة الفنية، سواء مع المنتخبات أو الأندية، ومع ذلك يستمر في الحصول على فرص جديدة فقط لأنه «اسم كبير» في ذاكرة الجماهير، لا لأنه أثبت كفاءة في موقعه الجديد. الإصرار على تدوير نفس الأسماء، رغم سجل من الإخفاقات، يعكس مرضًا عميقًا في منظومة اتحاد الكرة: لا معيار سوى الرضا الشخصي والعلاقات، ولا عقاب حقيقي على الفشل، ما دام الشخص جزءًا من «الشلة» المقبولة لدى صانع القرار.

 

تجاهل بيراميدز.. وتجريد المنتخب من أفضل عناصره

 

في وقت يبحث فيه أي منتخب عن أقصى درجات الجاهزية، فاجأ اتحاد الكرة الجميع بإصراره على استمرار مباريات بيراميدز في الدوري أثناء البطولة العربية، وحرمان المنتخب من أكثر فريق جاهزية فنيًا وخططيًا في اللحظة الحالية. بيراميدز يضم توليفة من العناصر الأساسية للكرة المصرية: لاعبين في قمة منحناهم البدني والذهني، خبرة قارية متراكمة، وانسجام تكتيكي واضح، كان يمكن أن يشكل عمودًا فقريًا قويًا للمنتخب. لكن قرار الاتحاد بتقديم مصالح نادٍ بعينه، وترتيبات البث والجدول والضغوط، على مصلحة اسم مصر في بطولة رسمية، كشف حجم التخبط والمحسوبية:

 

لا رؤية تكاملية بين المسابقات والمنتخبات.

 

لا أولوية حقيقية للمنتخب على حساب مصالح الأندية المحظية.

 

ولا إحساس بخطورة إرسال فريق منقوص فنيًا إلى بطولة عربية تمثل اختبارًا لصورة الكرة المصرية أمام جمهور عربي واسع.

 

نتائج مهينة.. ثم حديث عن «سوء حظ»

 

الترجمة العملية لهذه القرارات ظهرت على أرض الملعب:

 

هزيمة مُذلّة بثلاثية نظيفة أمام الأردن، كشفت فارقًا في الروح والتنظيم والجاهزية، لا يمكن تبريره بتجربة أو مرحلة انتقالية.

 

تعادل باهت مع الإمارات، وآخر مع الكويت، في مباريات ظهر فيها المنتخب بلا شخصية تكتيكية واضحة، ولا حلول هجومية، ولا قدرة على إدارة لحظات المباراة.

 

هذه النتائج لا تُقاس فقط بالأرقام، بل بالرسالة التي أرسلتها: منتخب مصر، صاحب التاريخ والاسم، بدا كفريق عشوائي جُمع على عجل، يقوده جهاز فني وإداري بلا مشروع، ويحميه اتحاد يبرّر الهزائم بالتحكيم وسوء الحظ وضغط المباريات، بدل أن يعترف بأن الفشل صُنع في المكاتب قبل أن يظهر في الملعب.

 

فساد منظومة.. لا سوء يوم في الملعب

 

ما حدث في البطولة العربية هو صورة مصغّرة لما تعانيه الكرة المصرية منذ سنوات:

 

- اتحاد بلا شفافية حقيقية في اختيار الأجهزة والبرامج.

 

- تدوير لنفس الوجوه رغم الفشل المتكرر.

 

- تضحية بمصالح المنتخبات على مذبح مصالح أندية معيّنة.

 

وغياب كامل للمحاسبة بعد كل إخفاق.

 

الفساد هنا ليس بالضرورة «شنطة فلوس» تحت الطاولة، بل منظومة محسوبية وغياب معيار، تجعل سمعة بلد بحجم مصر رهينة لقرارات هواة، يتصرفون في الكرة كما لو كانت عزبة خاصة. البطولة العربية لم تُضِع سمعة مصر من فراغ؛ الاتحاد هو من أضاعها، حين رفض أن يبني منتخبًا على أساس الكفاءة والعدالة، واختار أن يستمر في الطريق نفسه الذي حوّل الكرة المصرية من مصدر فخر إلى مصدر خيبة متكررة.