د. خيري عمر

أستاذ العلوم السياسية في جامعة صقريا

 

شغل تصنيف جماعة الإخوان المسلمين اهتمامًا كبيرًا من السياسة الأميركية مع قدوم دونالد ترامب إلى الرئاسة في نوفمبر 2015، وعودته إلى السلطة في ولاية ثانية في يناير 2025. في الحالتَين، تعزّزت القوة السياسية للجمهوريين، فارتفعت تطلّعاتهم لإصدار تشريعات دائمة. وفي هذا السياق، يمثّل صدور الأمر التنفيذي في 24 من الشهر الماضي (نوفمبر) الذي يصنّف جماعة الإخوان المسلمين جماعةً إرهابية، مدى الحميّة لبدء إجراءات وضع الجماعة تحت الحظر والعقوبات، وفي ظلّ الجدل حول تصاعد التوجّه الأميركي، تتناول هذه المقالة التطوّرية التشريعية مؤشّرًا على ملامح السياسة الأميركية وتماسكها.

 

قبل عشر سنوات، دشّن الجمهوريون عملية سياسية لتصنيف الجماعة، بدأت بمشروع قانون قدّمه تيد كروز في نوفمبر 2015. ورغم خسارة ترامب انتخابات 2020، ظلّ تأثير التيارات المحافظة قائمًا، بصورة مكّنته من الفوز في انتخابات 2024، والحصول على الأغلبية في الكونغرس، لتُستأنف التشريعات التي تصنّف "الإخوان" مرّةً أخرى. وبدأت عملية تشريعية عبر طرح مشروع قانون آخر في يوليو 2025، ولم يكتفِ الجمهوريون بانتظار مداولات الكونغرس، فقد أصدرت ولاية تكساس قرار تصنيف الجماعة، وبعد وقت قصير، أصدر الرئيس ترامب قرارًا تنفيذيًا في الاتجاه نفسه، لتتشكل حالةُ تضافر السلطات، شكليًا وموضوعيًا، في تكوين بيئة قانونية لحظر الجماعة تحت الرقابة داخل الولايات المتحدة وخارجها.

 

تكمن أهمية الجوانب الشكلية في أنها تساعد في كشف ملامح التوجّه السياسي. ومع صعود الحزب الجمهوري، تصاعد الدعم لحظر الجماعة وتصنيفها إرهابية؛ فبينما كان تيد كروز منفردًا بالمشروع الأول، شارك ستة نواب في تقديم المشروع الثاني. وقد تعزز هذا التوجه مع صدور "الأمر التنفيذي" في 24 نوفمبر 2025، وبتعدّد الأدوات التشريعية تتشكل ملامح عملية سياسية سوف تمثّل ضغطًا على الكونغرس للمساهمة في بناء نسق قانوني وسياسي لمواجهة حراك الإسلاميين.

 

المدخل الفكري للتصنيف

 

ولاستكشاف التوجّهات الأميركية، تساعد مقارنة مشروعَي القانون في الاقتراب من تطوريّة عملية التصنيف، وذلك في ما يتعلّق بقراءة الإطار الفكري والانتقال إلى الإجراءات. في البداية، انشغل مشروع قانون 2015 بتحديد ملامح "الإخوان"، وذلك بالبحث عن مصادر العنف في الفكر السياسي وارتباطها بالسلوك العنيف خطوةً تمهيديةً لاستيفاء شروط التصنيف منظمةً إرهابية. وقد استند التصور الأميركي إلى تفسير الجهاد مرادفًا للعنف والقتل، مستدعيًا مصطلح "الجهاد العنيف" من كتاب جورج ميتشيل، وطرحه أيديولوجيا دائمة للجماعة لتكوين عقيدة دينية عنيفة، هي أساس الترقّي داخل الجماعة، وفيها يعمل التنظيم دائرةَ تدريب على القتال حتى الموت ضدّ الطغاة.

 

ومع تعميم المناهج على العضوية التقليدية، تبلورت أيديولوجيا العنف مع صدور كتاب سيد قطب "معالم في الطريق"، لتشكّل إلى جانب مرجعية حسن البنا إطارًا متجانسًا لمواقف فروع الجماعة تجاه العالم. ووفقًا لمشروع القانون (2015)، تعكس اغتيالات وتفجيرات "النظام الخاص" ضدّ المسؤولين الحكوميين مؤشّرًا على استقرار عقيدة العنف في الفكر السياسي.

 

وإلى جانب التعريف، اتبع مشروع القانون طريقة استدلال استخدم فيها حوادث العنف الماضية محاولةً لرسم سمات الجماعة، كان أهمها الاستناد إلى لتكرار تصنيفها منظمةً إرهابيةً، وحظر نشاطها في عديد من بلدان الشرق الأوسط. وقد بدأ تأريخه بإدانة المحاكم السورية عنفَ الجماعة في أحداث الاغتيالات منذ 1979، ولأخذ شريحة أوسع استمرّ في استعراض حالات أخرى شملت روسيا حتى وصل إلى مرحلة 2013 وما بعدها، إذ تتابع تصنيف الجماعة منظمةً إرهابيةً في مصر والسعودية والإمارات والبحرين. فقد ربط السياق الأميركي ما بين أيديولوجيا الجهاد وحدوث اشتباكات بين أعضاء "الإخوان" والشرطة والجيش، استُهدفت فيها مؤسّسات وأفراد، ومعه تحريض ضدّ الأقباط، للتحضير لـ"مرحلة جديدة" من العنف ضدّ الحكومة المصرية، ووجد في التأصيل الشرعي لحوالى 159 شيخًا من الجماعة في "نداء الكنانة" (27 مايو 2015) إسنادًا للعنف إلى مرجعية حظيت بتأصيل أيديولوجي.

 

ورغم إدراك الأميركيين لطبيعة أيديولوجيا الجماعة منذ 1928، فإنها تتبنّى تقييمًا لا يراعي التناقض ما بين الهُويَّة السياسية الأميركية والقناعات الدينية لـ"الإخوان"، وليست العلّة هنا في حالة تكيّف الطرفَين على تكوين مصالح مشتركة، ولكن في دواعي الرفض الأميركي لهذه الأيديولوجية رغم انتشارها في أميركا الشمالية وأوروبا الغربية. ولذلك يمكن قراءة انتقاد مشروع 2015 لحديث المرشد العام محمد بديع، في سبتمبر 2010، عن مواجهة "الحلف الصهيوأميركي"، محاولةً لمراجعة شاملة للموقف من الحركات الإسلامية.

 

وبغض النظر عن الاستدلال بحالات تصنيف "الإخوان" في الشرق الأوسط، تفيد التجارب الأميركية بوجود أدلة كافية على الترابط ما بين شبكات "الإخوان" و"القاعدة" في تمويل الإرهاب داخل الولايات المتحدة. وهنا أشار مشروع القانون إلى شهادة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، روبرت مولر، في فبراير 2011، بدعم عناصر من جماعة الإخوان المسلمين داخل وخارج أميركا للإرهاب، وأنه لا يمكنه تقديم تفاصيل في جلسة علنية.

 

مشروع قانون 2025

 

واستكمالًا لمشروع 2015، ركّز مشروعُ ستّةٍ من أعضاء الحزب الجمهوري على الطابع الإجرائي، وخصوصًا ما يتعلّق بتعريف جماعة الإخوان المسلمين منظمةً دوليةً عابرةً للحدود، تخضع فروعها لتأثير مركزي من "التنظيم الدولي"، وتدين بالأفكار الأساسية للجماعة. ولذلك اهتمّ المشروع بالعلاقات العضوية وتراتبها التنظيمي. ولهذا توسّع في تحديد الفروع المُستهدَفة بالفحص، وهنا أفرد اهتمامًا خاصًا بإثبات انتماء "حماس" إلى جذور الفرع الفلسطيني للجماعة، من دون إشارة إلى تعديل ميثاق الحركة في مايو 2017.

 

وباعتبار الجماعة مصدر إلهام لكلّ فروعها وعديد من التيارات الأخرى، وضع المشروع قائمةً من 34 فرعًا تحت الفحص. وقد أقامت السياسة الأميركية مبرّراتها على مساهمة فروع الجماعة في زعزعة استقرار شركاء الولايات المتحدة، كالبحرين ومصر والأردن والسعودية والإمارات. وهنا يركّز التوسّع على جانبَين: التركيز في عمل الجماعة شبكةً عالميةً مترابطة التمويل والتدريب، واتخاذ مظاهر التضامن مع "7 أكتوبر" (2023) معيارًا إرشاديًا في تصنيف الدوائر المرتبطة بالجماعة.

 

وكان لافتًا طلب مشروع قانون 2025 إجراء تعديلات على قانون مكافحة الإرهاب لعام 1987، ليضع منظّمة التحرير الفلسطينية جنبًا إلى جنب مع "الإخوان"، لتكون الكيانات الفلسطينية تحت مظلّة قيود الحظر أو الاتصال الرسمي مع الحكومة الأميركية. وهي سياسة تتعارض مع السلام الإقليمي ومقرّرات وقف إطلاق النار، بما يضفي تعقيدات على القضية الفلسطينية، كما أنه لا يراعي التغيرات التي شهدتها منظّمة التحرير على مدى 40 عامًا.

 

وفي الاتجاه نفسه، لخّص الأمر التنفيذي اتهاماته بأنها شنت حملات عنف وزعزعة استقرار وأضرت بالمصالح الأميركية. واتخذ من هجوم 7 أكتوبر دليلًا على تضامن فروع "الإخوان" مع حركة حماس وحزب الله والفصائل الفلسطينية. ولذلك، أُوقف التصنيف النهائي على صدور تقرير وزارة الخارجية، لكنّه (مرحليًا) اقتصر على إدراج فروع مصر والأردن ولبنان، لأسباب تتعلّق بجانبَين: تركيز التقارير الأميركية في الفرع المصري، ومشاركة قوات الفجر اللبنانية في الهجوم على إسرائيل.

 

في هذا السياق، لا يقدّم ادّعاء الإضرار بحلفاء أميركا تفسيرًا كافيًا لتبرير التوجّه لتصنيف فروع الجماعة؛ فمن جهة، لا يمثّل التوجّه الأميركي قيمةً مضافةً لهذه الدول سوى بالرقابة على أنشطة الجمعيات التابعة لجماعة الإخوان في أوروبا وأميركا الشمالية. ومن جهة أخرى، يعكس الربط ما بين منظّمة التحرير و"الإخوان المسلمين" أهدافًا أخرى تتجاوز الادعاء بمكافحة الإرهاب، إذ تبدو الأولوية في قطع الطريق على ترتيب البيت الفلسطيني وإضعافه في مقابل إسناد إسرائيل.

 

من التصنيف الجزئي إلى الشامل

 

ساقت السياسة الأميركية كثيرًا من التبرير للانتقال من تصنيف بعض مكوّنات جماعة الإخوان منظمةً إرهابيةً إلى وضعها تحت الحظر الشامل. واستندت التوجّهات التشريعية إلى معيارَين: توافر الأفكار المُعزِّزة للعنف، وميراث من التصنيف الجزئي للجمعيات الأجنبية ولأفراد مقيمين في الأراضي الأميركية لاتهامهم باستهداف المصالح في البلاد.

وفي وقتها، شملت حركة حماس (23 يناير 1995)، و"لجنة الدعوة الكويتية" (23 سبتمبر 2001) لتمويلها تنظيم القاعدة، وارتباطها بتفجير مركز التجارة العالمي، وفي إثرها اعتُقل مقيمون في الأراضي الأميركية (محمد خليفة مثلًا) في 1994، والمشاركين في إدارة المنظمات الأجنبية.

 

ومع طرح موضوع التصنيف الشامل قبل عقد، فإنه يفتقر إلى ربطه بأحداث راهنة من أجل الدقّة، فتكون الحاجة لفهم دوافع التغيّر الأميركي. وبغض النظر عن الاستدلال على ارتكاب العنف وبواعثه الفكرية، تتوافر عوامل ثانوية في البلدان الغربية، تتمثّل في القلق المجتمعي من انخفاض فاعلية الدمج الاجتماعي للمهاجرين، وضعف إفصاح الحكومات الغربية عن تقارير التمويل غير المشروع للجمعيات القريبة من المنظمات الإسلامية.

 

ورغم محدودية الوزن النسبي، مقارنة بحجم المجتمع، شكّل الصعود السياسي لليمين المتطرّف ضغوطًا على الحكومات لتشديد الهجرة، وفرض رقابة على الأنشطة المغايرة (المعادية) للهُويَّة المحلّية. بدا التنسيق الأميركي الأوروبي سياسةً عامةً، وفيها أصدرت فرنسا تقريرًا عن نيّاتها تجاه الجمعيات الإسلامية، كما تسبّب تعاطف اليمين في بريطانيا مع إسرائيل في وضع الأنشطة المؤيّدة لغزّة تحت قانون مكافحة الإرهاب.

 

ومع الانتقال من مرحلة التصنيف الجزئي، تعمل المؤسّسات الأميركية بتناسق في دعم الأدلة للتحضير لحظر الجماعة. وهذا ما يتضح في التوجهات التشريعية والتنفيذية، وبهذا المعنى يمثّل قرار ولاية تكساس بوضع قائمة أولية للمشمولين بالتصنيف محاولة لدعم التوجّهات التشريعية على المستوى الأميركي، ليكون خطوةً في تصنيف جمعية مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير)، الممثلة لجماعة الإخوان، منظمةً إرهابية.

 

التصنيف بين الغموض والتسرّب

 

في مدى عشر سنوات، لم يقدّم إصرار الجمهوريين على تصنيف جماعة الإخوان إجاباتٍ كافيةً لتغيّر التعامل مع الإسلاميين، من الاعتماد المتبادل منذ حرب أفغانستان إلى التباعد الشامل، فقد تشكّلت شبكات علاقات مشتركة وقت حُكم اليمين على مستوى الولايات المتحدة وبريطانيا (رونالد ريغان ومارغريت تاتشر)، لتكون مرحلةً مُؤسِّسة لعقود لاحقة، أنشئت فيها مقارّ لمنظّمات الإسلاميين في العواصم الأوروبية وأميركا الشمالية.

 

ويزداد هذا الغموض، مع هشاشة آثار الحظر والحرمان من أهلية دخول الولايات المتحدة، على تقييد انتشار الحركات الدينية، حتى في الداخل الأميركي. وهنا تشير خبرة التعامل مع "القاعدة" إلى توقف الإقصاء عند مستوى لا يؤدّي إلى انهيار التنظيم أو المجموعات المسلحة، بل إن الإدارة الأميركية لم تجد حرجًا في القبول بها بديلةً لأنظمة حكم قائمة

 

ويمكن الإشارة إلى حالتَين: الأولى، بينما كانت الولايات المتحدة تضغط على حسني مبارك، فإنها لم تسر في دعم شهادة مولر بإدانة جماعة الإخوان، ليغلب التقدير السياسي بفتح المجال أمام تغيّر النظام السياسي في الشرق الأوسط. والثانية، تكشف الحالة السورية وجود تعايش أميركي مع خلايا "القاعدة"، غابت منه الرغبة في قطع الاتصال مع تلك التنظيمات، لترسي نوعًا من التكيّف السياسي والتطبيع الأمني مع ميدان العنف الدائر خارج الجغرافيا الأميركية.

 

يتلاقى هذا السياق مع ردّة فعل جماعة الإخوان المسلمين في 27 نوفمبر 2025، حين سادت لغة البحث عن مساحات الاسترخاء في العلاقة مع الولايات المتحدة، وبطريقة مغايرة لتعاملها مع حكومات بلدانها، بما يوضّح شدّة حساسية مصالح الجماعة لأيّ تغيّر في السياسة الأميركية، والرغبة في الحفاظ عليها أو تجنّب الخسارة. قد يشكل هذا السلوك واحدًا من ملامح العلاقة في المستقبل.

 

وبشكل عام، على خلاف مرحلة التصنيف الجزئي، تقدّم السياقات الجارية توافقًا ما بين الجهات الأميركية على الإسراع بتصنيف جماعة الإخوان والشبكات المرتبطة بها من دون عوائق مؤثّرة، ليس لمجرّد توافر مساحات التعاون بين الدول، ولكن لامتصاص فائض العنف لدى الإسلاميين، وإعادة هيكلة علاقاتهم السياسية. فالمؤشّرات الحالية تصنّف السياسة الأميركية في نطاق إجرائي لمكافحة تداعيات الهجرة أكثر منها اهتمامًا بقطع العلاقة مع شبكات الإسلاميين.