عقب هجمات السابع من أكتوبر 2023 واندلاع حرب الإبادة الجماعية على غزة، حرجت الناشطة داليا زيادة في مقابلة مع أحد الباحثين في معهد أبحاث الأمن القومي "الإسرائيلي" لتهاجم حركة "حماس" وتدعم "إسرائيل في" "حقها بالدفاع عن نفسها" خلال هجماتها على قطاع غزة.
وادعت أن هجوم الجيش "الإسرائيلي"، الذي يهدف إلى الإطاحة بـ "حماس" من السلطة في غزة وتأمين إطلاق سراح الرهائن، كان مبررًا، مما أثار موجة من الهجوم الواسع عليها عبر منصات التواصل الاجتماعي في مصر.
لتتوارى عن الأنظار في أعقاب بلاغ تقدم به أحد المحامين إلى النائب العام بتهمة التخابر مع كيان أجنبي والإضرار بالأمن القومي المصري، قبل أن تغادر مصر في نهاية عام 2023، ووصفت خروجها بأنه يشبه "خروج اليهود من مصر".
وهي تقيم حاليًا بالولايات المتحدة، وتعمل باحثة في شؤون الشرق الأوسط ومنسقة معهد دراسة معاداة السامية العالمية والسياسة (ISGAP) في واشنطن.
تتحدث زيادة عن مغادرتها مصر تحت وطأة الهجوم العاصف الذي تعرضت له عقب الإدلاء بآرائها الصادمة، قائلة": في الثاني من نوفمبر 2023، اضطررت، بقلب مكسور، إلى مغادرة وطني مصر والهرب لإنقاذ حياتي بعد أن واجهت ردة فعل عنيفة بسبب حديثي ضد إرهاب حماس ودعمي لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر".
وأضافت في سياق تصريحات نشرتها صحيفة "جيروزاليم بوست"، إن "مشاركة الحقيقة حول الفظائع التي ارتكبتها حماس في ذلك اليوم الأسود مع زملائي المصريين والعرب جعلني على الفور هدفًا للإسلاميين المتطرفين الذين يسيطرون على الشوارع والناصريين (الاشتراكيين) الذين يسيطرون على وسائل الإعلام".
وادعت: "استهدفني السلفيون جسديًا بعد أن اتهموني بالكفر. وشنت وسائل الإعلام الخاضعة لإشراف الدولة حملة تشويه سمعة لا هوادة فيها بعد أن وصفتني بـ "الجاسوسة الصهيونية".
وتابعت: "وأحالني النائب العام إلى نيابة أمن الدولة العليا سيئة السمعة للتحقيق في العديد من الدعاوى المرفوعة ضدي من قبل المحامين المؤيدين للدولة الذين اتهموني ظلمًا بـ "الخيانة العظمى" و"تهديد الأمن القومي لمصر"، حتى إنهم طلبوا من رئيس الوزراء سحب جنسيتي المصرية، متهمين إياي بأنني جاسوسة للموساد".
امرأة عاجزة!
على الرغم مما أثارته تصريحاتها عن الحرب على غزة من صدمة، إلا أن الناشطة التي اعترفت بعملها مع المخابرات المصرية خلال الفترة التي سبقت ثورة 25 يناير 2011 حتى الانقلاب علن الرئيس المنتخب محمد مرسي في عام 2013 تصر على حشر نفسها في زاوية المظلومية والادعاء بتعرضها للاضطهاد جراء موقفها تجاه هجمات السابع من أكتوبر.
تقول: "ما زلت لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن لامرأة عاجزة مثلي، ليس لديها سوى صوتي وقلم، أن تُعتبر تهديدًا للأمن القومي- بينما لا يزال جميع المتطرفين الذين دفعوني خارج منزلي وأحدثوا الفوضى في الشوارع المصرية دون أي تحدٍ".
وأردفت: "وفي مصر، تركت ورائي أكثر من مجرد أحبائي وممتلكاتي المادية. لقد تركت قطعة من روحي عندما شاهدت إخوتي المصريين، بما في ذلك أولئك الذين يدعون أنهم علمانيون ومنفتحون، يذلون أنفسهم بما يكفي للإشادة بالمذبحة الوحشية التي ارتكبتها حماس ضد المدنيين الإسرائيليين"، بحسب تعبيرها.
وأشارت إلى أن "الاضطهاد الذي واجهته في مصر يعكس قضية أعمق في العالم العربي: الكراهية المتأصلة تجاه إسرائيل، وبالتالي تجاه أي شخص يتحدى هذا السردية".
وتمضي الناشطة السابقة في مركز بن خلدون للحديث عن مرحلة ما بعد انتقالها إلى الولايات المتحدة، قائلة: "منذ وصولي إلى أمريكا، أمضيت وقتي في زيارة الحرم الجامعي، والتحدث إلى الطلاب من خلفيات متنوعة حول الحقائق في الشرق الأوسط".
وأضافت: لقد جعلني أدرك أن هذه الكراهية ليست محلية فحسب؛ بل إنها عابرة للحدود الوطنية. جذورها الأيديولوجية عميقة. فالجماعات الإسلامية المتطرفة، مثل جماعة الإخوان المسلمين، لا تعتبر معاداة السامية مجرد عرض جانبي، بل جزءًا أساسيًا من رؤيتها للعالم"، بحسب زعمها.
وتابعت في سياق هجومها على الإخوان: "لقد استغلت الشبكات الإسلامية في الغرب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني للتأثير على العلاقات اليهودية الإسلامية، والنشاط الجامعي، والتحالفات اليسارية المتطرفة. وتُظهِر الدراسات أيضًا أن معاداة السامية الإسلامية في الولايات المتحدة مخفية جزئيًا من خلال التحالف "الأحمر والأخضر" بين الإسلاميين المتطرفين والناشطين التقدميين، وهي ديناميكية تضعف النقاش العام"، على حد قولها.
الكراهية لإسرائيل
تروي زيادة أنها "في الأشهر التي تلت مغادرة القاهرة، حملت أكثر من مجرد حقيبة سفر، لقد حملت في طياتي حقيقة ظلت مكبوتة لفترة طويلة حول العداء العميق تجاه إسرائيل، والذي غالبًا ما يتم تجاهله، والذي يشكل الحياة العامة في مختلف أنحاء العالم العربي، والثمن الذي يدفعه أي عربي يجرؤ على تحديه".
وأضافت: "وفي مصر، ظهرت هذه الكراهية في الكتب المدرسية، وخطب المساجد، والبرامج الحوارية، والنكات اليومية، قبل وقت طويل من ظهور الهاشتاجات والاحتجاجات في الحرم الجامعي".
تتذكر: "في مراهقتي خلال الانتفاضة الثانية (عام 2000)، شاهدتُ حشودًا في القاهرة تحرق ليس فقط الأعلام الإسرائيلية، بل أيضًا الأعلام المصرية والأمريكية. اتضح لي مبكرًا أن هذا العداء لم يكن موجهًا ضد إسرائيل فحسب، بل كان أيضًا ضد سحق الفكر المستقل والتوق إلى الديمقراطية والليبرالية الغربية"، وفق زعمها.
واستطردت قائلة: "وعندما بدأت بزيارة الحرم الجامعي ــ 59 جامعة في عام دراسي واحد من خلال "جولة تعليمية" التي نظمتها منظمة هليل الدولية ــ رأيت نفس الأنماط تظهر مرة أخرى بلغة مختلفة. استعاد بعض الطلاب نظريات المؤامرة والاتهامات التي تعكس ما سمعته في القاهرة. بالنسبة لهم، كان دعم إسرائيل خيانة، والتحدث عن فظائع حماس يعني التواطؤ في القمع".
وأردفت: في إحدى المحاضرات، حذرني المنظمون بهدوء قائلين: "توقعي المقاومة". دخلتُ، متذكرة شعوري وأنا أطارد المتطرفين في مصر. في أمريكا، لم يكن العداء حشودًا في الشوارع، بل كان عنفًا إلكترونيًا، وهمسات ترهيب، وشعارات حقّ مُقنّعة بغطاء النشاط السياسي".
تحالف الأحمر والأخضر
مع ذلك، زعمت زيادة أنه "وسط العداء، كانت هناك لحظات من الشجاعة. بعد إحدى الأحداث، اقترب مني شاب شارك في المعسكرات المؤيدة لحماسـ قائلاً: "هناك خلل في حركتي"، اعترف. "أريد دعم سكان غزة، لكنني لا أريد دعم الإرهاب"، على حد تعبيرها.
وعلقت: "رسخت صدقيته في ذهني. لقد أكدت ما بدأتُ أفهمه: إن بيئة الكراهية عالمية، لكن إمكانية التغيير عالمية أيضًا. في العالم العربي، تُصنّف الجماعات الإسلامية المتطرفة ووسائل الإعلام التابعة للدولة المعارضين بالخيانة".
وذكرت أنه "في الجامعات الغربية، يردد بعض الطلاب التقدميين نفس الأفكار دون وعي، مخلطين بين الغضب الأخلاقي والوضوح الأخلاقي. كثيرون منهم يقصدون الخير، لكنهم يُغذّون بروايات تمحو التاريخ وتكافئ اليقين العاطفي على التفكير النقدي".
وأوضحت: :لقد علمتني سنواتي في مصر كيف تعمل هذه الروايات. وُصِمتُ بالتجديف واتُهمتُ بالخيانة العظمى لمجرد أنني رفضتُ مدح حماس. لقد استخدم المحامون الموالون للدولة والغوغاء السلفيون نفس المفردات المنتشرة في مختلف أنحاء المنطقة: إسرائيل شريرة؛ وأي شخص يعمل على إضفاء الصفة الإنسانية على الإسرائيليين فهو خائن".
وأكملت: "عندما وصلتُ إلى الولايات المتحدة، تغيرت الأساليب، لكن المنطق لم يتغير. هنا، ظهر الأمر على شكل نبذ أكاديمي، وهجمات على مواقع التواصل الاجتماعي، وطلاب يصرخون في وجوه أحاديث يخشون المشاركة فيها".
وذكرت أن الباحثين يطلقون على هذا التحالف اسم "التحالف الأحمر والأخضر" ــ أي التحالف بين ناشطين من أقصى اليسار وأيديولوجيين إسلاميين يشتركون في العداء تجاه "إسرائيل".
وقالت زيادة: "في الجامعات، حوّل هذا التحالف الجغرافيا السياسية المعقدة إلى مسرحية أخلاقية. كلمات مثل "مستعمر" و"فصل عنصري"، مُنفصلة عن سياقها، تُستخدم لإسكات النقاش بدلًا من إلهام الفهم. وعلى النقيض من الشرق الأوسط، حيث تظهر الجذور السياسية للمشاعر المعادية لإسرائيل، يستوعب العديد من الشباب الغربيين هذه الرواية دون أن يدركوا أصلها".
وأشارت إلى أنه "بعد هجمات السابع من أكتوبر، تبددت هذه الأوهام لدى الكثيرين. أما أنا، فقد أكدت لي ما كنت أعرفه بالفعل: إن الكراهية التي هربت منها في القاهرة قد تجاوزت الحدود العربية".
تغير دوري
وتحدثت زيادة عن دورها الجديد في مرحلة ما بعد مغادرة مصر حيث باتت تعبر بوضوح أكبر من مواقفها الداعمة لـ "إسرائيل"، تقول: "تغير دوري. لم أعد مجرد ناجية. أصبحت شاهدة ومعلمة، لطالما قلتُ لطلابي إنني أعرف معنى أن ينقلب عليك شعبك، وأعرف سرعة ضياع المجتمعات الحرة عندما تسمح للأيديولوجيا بخنق التعاطف. ورغم الألم، وجدتُ لحظات إنسانية عميقة. حطمني فقدان وطني، لكن العيش في المنفى أعاد بناءي".
واستدركت: "في مصر فقدت بيتي وعملي ومجتمعي في ليلة واحدة. في الولايات المتحدة، وجدتُ هدفًا أكبر من ذاتي. لا أتحدث للدفاع عن إسرائيل فحسب، بل أيضًا للدفاع عن القيم الديمقراطية الليبرالية الغربية التي يسعى المتطرفون إلى محوها - وهي القيم نفسها التي يكرهون إسرائيل بسببها".
ورات أن "كراهية إسرائيل في العالم العربي لا تنبع فقط من صراعات جيوسياسية، بل هي كراهية عاطفية وأيديولوجية. إنها تتغذى على الخوف وتعاقب الفضول. واليوم، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والنشاط الطلابي، يتجاوز هذا الظلم الحدود أسرع من أن تلحق به الحقيقة. إن استجابتنا عبر الإنترنت، وفي الفصول الدراسية، وفي النقاشات العامة، ستحدد ما إذا كانت المجتمعات الحرة ستبقى حرة".
خروج موسى من مصر
وشبهت زيادة خروجها من مصر بخروج موسى عليه السلام واليهود، قائلة: "في طريقي للخروج من مصر، مررت على خطوات الألم والمعاناة التي شعر بها اليهود الذين رافقوا موسى في عبور البحر الأحمر، ثم خطى أولئك الذين أجبروا على مغادرة أوطانهم في مصر وغيرها من البلدان العربية في الخمسينيات والستينيات".
وأضافت: مثلهم، لم أُرِد مغادرة وطني. مثلهم، عانيتُ خسارةً مُريعةً لمنزلي، وعملي، وأصدقائي، وعائلتي في غضون ساعاتٍ قليلة. سأفتقد رؤية ابن أخي الحبيب يكبر، ورؤية غروب الشمس الجميل على القاهرة من شقتي الواقعة على قمة تلة. لكن مثل اليهود، أُقدّر الحياة تقديرًا عميقًا، وأؤمن بقدرتي على المساهمة في جعل العالم مكانًا أفضل".
https://www.jpost.com/jerusalem-report/article-874314

