أكد المتحدث باسم وزارة الصحة والسكان بحكومة الانقلاب، الدكتور حسام عبدالغفار، استقرار الوضع الوبائي للفيروسات التنفسية في مصر، نافياً وجود أية مؤشرات على ظهور متحور جديد أو انتشار غير معتاد، في بيان رسمي يأتي رداً على شائعات متداولة عبر مجموعات "واتساب" حول انتشار عدوى غير معروفة بالمدارس المصرية، لكن هذا النفي الرسمي يتناقض مع واقع المدارس والمستشفيات الذي يشهد على انتشار واسع للأمراض التنفسية بين الأطفال، ويطرح أسئلة حول مدى شفافية حكومة الانقلاب في الإعلان عن الحقائق الصحية.
نفي رسمي.. وواقع مختلف في المدارس
أوضح عبدالغفار، في بيان اليوم السبت، أن الوزارة تتابع يومياً معدلات الإصابة بالأمراض التنفسية، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية وفيروس التنفس المخلوي "RSV"، وأن نسب الإصابات ودخول المستشفيات تظل ضمن المعدلات السنوية المعتادة. لكن هذا التصريح الرسمي يتناقض تماماً مع ما يشهده أولياء الأمور في المدارس، حيث تتزايد حالات الغياب بشكل ملحوظ بسبب الأمراض التنفسية، وتمتلئ عيادات الأطفال بالحالات المرضية.
"المعدلات السنوية المعتادة".. عبارة فضفاضة لإخفاء الحقيقة
عبدالغفار أكد أن نسب الإصابات ودخول المستشفيات تظل ضمن "المعدلات السنوية المعتادة". لكن هذه العبارة الفضفاضة لا تعني شيئاً محدداً، ولا تقدم أي أرقام دقيقة أو إحصائيات شفافة يمكن للمواطنين والخبراء التحقق منها. ما هي هذه المعدلات السنوية؟ كم عدد الإصابات المسجلة يومياً؟ كم عدد الحالات التي تدخل المستشفيات؟ ما نسبة الزيادة أو النقصان مقارنة بالأعوام السابقة؟
وزارة الصحة في حكومة الانقلاب لا تنشر أرقاماً دقيقة ولا إحصائيات شفافة، بل تكتفي بـبيانات عامة وعبارات مطمئنة لا تستند إلى بيانات علنية قابلة للتدقيق. هذا النهج يفقد الوزارة مصداقيتها، ويجعل المواطنين لا يثقون في تصريحاتها، ويلجأون إلى مصادر بديلة للمعلومات، حتى لو كانت غير دقيقة.
لقاح الإنفلونزا.. متوفر لكن غير متاح للجميع
أشار المتحدث الرسمي إلى توفر لقاح الإنفلونزا الموسمي في الوحدات الصحية، داعياً المواطنين للحصول عليه، خاصة الفئات الأكثر عرضة للمضاعفات. لكن السؤال: هل اللقاح متوفر فعلاً في جميع الوحدات الصحية؟ وهل هو مجاني أم بمقابل مادي؟ وهل الوحدات الصحية مجهزة لاستقبال المواطنين وتطعيمهم؟
الواقع الذي يعرفه المصريون هو أن الوحدات الصحية الحكومية تعاني من نقص حاد في الإمكانيات والأدوية واللقاحات، وأن المواطن البسيط لا يجد الخدمة الصحية المناسبة إلا في المستشفيات والعيادات الخاصة التي تفرض أسعاراً خيالية لا يستطيع تحملها. لقاح الإنفلونزا في الصيدليات الخاصة قد يكلف مئات الجنيهات، وهو مبلغ لا يستطيع تحمله ملايين الأسر الفقيرة والمتوسطة.
فهذا النظام لا يمكن أن يوفر رعاية صحية حقيقية للمواطنين، لأن الرعاية الصحية تتطلب استثماراً ضخماً في المستشفيات والوحدات الصحية والأدوية واللقاحات، وهو ما لا يملكه نظام ينفق المليارات على القصور والمشروعات الاستعراضية بينما يترك المستشفيات تتهالك والأدوية تنقص.
شفافية زائفة.. وترصد غير كافٍ
أكد المتحدث الرسمي أن فرق الطب الوقائي والترصد الوبائي تعمل على مدار الساعة لرصد أي تغيرات محتملة، وأن الوزارة تعلن التطورات "بشفافية". لكن أين هذه الشفافية؟ أين الأرقام التفصيلية؟ أين التقارير اليومية أو الأسبوعية التي تكشف عن عدد الإصابات ونسب الانتشار ومعدلات دخول المستشفيات؟
الشفافية لا تعني إصدار بيانات مطمئنة كلما انتشرت "شائعة"، بل تعني نشر البيانات الدقيقة بشكل دوري ومستمر، بحيث يمكن للمواطنين والخبراء التحقق منها وتقييم الوضع بشكل مستقل. لكن حكومة الانقلاب لا تؤمن بالشفافية الحقيقية، بل تكتفي بـالشفافية الانتقائية التي تنشر ما يخدم سرديتها، وتخفي ما يكشف فشلها.
الفيروسات الموسمية.. ذريعة لتبرير الإهمال
أوضح المتحدث الرسمي أن انتشار الفيروسات الموسمية خلال فصل الشتاء أمر "طبيعي ومتكرر سنوياً"، ولا يشير إلى موجة غير طبيعية أو متحور جديد. هذا التصريح صحيح من الناحية الطبية، لكنه لا يبرر الإهمال في توفير الرعاية الصحية الكافية للمصابين.
نعم، الفيروسات الموسمية تنتشر كل شتاء، لكن مسؤولية الحكومة هي ضمان جاهزية المنظومة الصحية لاستقبال الحالات المرضية، وتوفير الأدوية واللقاحات، والتوعية الصحية للمواطنين، والنظافة والتهوية الجيدة في المدارس والأماكن العامة. لكن حكومة الانقلاب تتنصل من مسؤوليتها بحجة أن الأمر "طبيعي"، وتترك المواطنين يواجهون المرض بمفردهم.
المدارس.. بيئة خصبة لانتشار الأمراض
المدارس المصرية، التي تعاني من الاكتظاظ الشديد (أكثر من 70 تلميذاً في الفصل الواحد في بعض المدارس)، وسوء التهوية، وغياب النظافة، ونقص الرعاية الصحية، تشكل بيئة خصبة لانتشار الفيروسات التنفسية بين الأطفال.
حكومة الانقلاب لم تفعل شيئاً لتحسين الظروف الصحية في المدارس، بل تركتها تتدهور بينما تنشغل ببناء مدارس دولية فاخرة بمصروفات تتجاوز 70 ألف جنيه سنوياً، لا يستطيع دخولها سوى أبناء الأغنياء، بينما ملايين الأطفال في المدارس الحكومية يعانون من ظروف غير صحية تعرضهم للأمراض.
حكومة تنفي.. والشعب يعاني
حكومة الانقلاب تتقن فن النفي: نفي الأزمات، نفي الفضائح، نفي الفشل. لكن الواقع الذي يعيشه المصريون يومياً يكذّب كل هذه النفي. المدارس مكتظة، المستشفيات منهارة، الأدوية ناقصة، اللقاحات غير متاحة للجميع، والأطفال يمرضون، والأهالي قلقون.

