يبدو أن نظام السيسي مولعًا بشدة بكل الأشياء التي تلفت الانتباه، حتى لو كان ليس هناك ما يستدعيها من الأساس، في ظل اعترافه أكثر من مرة بأن "مصر فقيرة قوي"، لكن السعي وراء تحقيق إنجازات في مخيلته، حتى ولو كانت "وهمية" هو المحرّك الدائم لكل ما يتعلق بـ "أفضل التفضيل"، من أكبر مسجد، إلى أكبر كنيسة، إلى أطول برج، إلى أطول سارية.

 

ليس مهمًا الحاجة الفعلية إلى هذه المشاريع الضخمة، فالأهم هو أن يتباهى ويتظاهر بتحقيق ما لم يسبقه إليه أحد من قبل، في صورة أبنية، وجدران، دون الاعتناء بالمواطن، الذي يتضاءل كل شيء آخر أمام محاولات الارتقاء به، وخدمة مصالحه، وتحسين أحواله، وجعله يحيا حياة كريمة، يحظى فيها بتعليم ورعاية صحية جيدة.

   
لكن هذا لم يخطر على باله، فالمهم بالنسبة له أن يشير الناس بأصابعهم إلى المشروعات الأضخم والأكبر والأطول دون النظر إلى ما إذا كان المصريون بحاجة ماسة إليها من عدمه، فيما يعكس حالة من التخبط والعشوائية في ترتيب الأولويات لدى النظام. 

 

أكبر مسجد وأكبر كنيسة


البداية كانت في افتتاح مسجد "الفتاح العليم" وكاتدرائية "ميلاد المسيح" بالعاصمة الإدارية الجديدة في يناير 2019، والذي تتباهى وسائل إعلامه بكونهما الأكبر من حيث المساحة في الشرق الأوسط.

 

وأقيم مسجد "الفتاح العليم" بمدخل العاصمة الإدارية الجديدة على مساحة 106 أفدنة (445 ألف متر مربع). وتبلغ السعة الإجمالية للمسجد والمصلى اليومي والساحة المكشوفة نحو 17 ألف مصل. وتبلغ مساحة صحن المسجد 6325 مترًا مربعًا، ويتسع لعدد 6300 مصل، وله 5 مداخل رئيسة، بالإضافة إلى مدخلين للسيدات.

 

في حين تعدّ كاتدرائية "ميلاد المسيح" بالعاصمة الإدارية الأكبر في الشرق الأوسط؛ حيث تسع لـ8200 فرد، وهي عبارة عن طابق أرضي وصحن ومنارة بارتفاع 60 مترًا

 

وتقع الكاتدرائية الجديدة على مساحة 15 فدانًا (نحو 63 ألف متر مربع). تتضمن مقر الكاتدرائية الذي يمتد لـ7500 متر مربع، وكنيسة "الشعب"، إضافة إلى مبنى المقر البابوي، وصالة استقبال وقاعة اجتماعات ومكاتب إدارية.

 

الواقع يقول إن في مصر أعداد كبيرة من المساجد والكنائس، وليس هناك أو عجز فيه على مستوى القاهرة والمحافظات، حتى وإن تطلب الأمر إقامة مسجد وكنيسة بالعاصمة الإدارية، فالأمر لا يتطلب كل هذا الإسراف في مقابل التقتير في الإنفاق في بناء المستشفيات والمؤسسات التعليمية لاستيعاب الأعداد الضخمة من المرضى والطلاب.

 

لكن المهم هو "الشو الإعلامي"، والحصول على "اللقطة" بتحويل أنظار المصريين بعيدًا عن احتياجاتهم الحقيقية إلى المشروعات الأضخم والأكبر والأطول، بخاصة وأن العاصمة الجديدة لم تصبح بعد مدينة مأهولة بالسكان. 

 

البرج الأيقوني 


لم يقتصر الأمر على أكبر مسجد وأكبر كنيسة، فطموح السيسي لا يتوقف عن السعي لكل ما هو غريب وعجيب يرضي به غروره وكبرباءه، حتى لو كان حساب المواطن الذي يعاني في عهده الأمرين، وهو ما دفعه إلى البحث عن شيء آخر يضيفه إلى سلسلة أرقامه القياسية.


فبعد أقل من شهرين على افتتاح أكبر كاتدرائية في الشرق الأوسط، وثاني أكبر مسجد في العالم في العاصمة الإدارية، بدأت في بناء البرج الأيقوني، أطول برج في أفريقيا، الذي يبلغ طوله عند اكتماله 1000 متر، ويتكون من 250 طابقًا، بفارق 127 مترًا عن برج خليفة في دبي، 

 

وتنفذ المشروع شركة ( cscec ) الصينية، على مساحة تبلغ 1,7 مليون متر مربع، وبتكلفة تصل لنحو 3 مليارات دولار، وهي عبارة عن قرض صيني، تسدد هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة 15 بالمائة منه، دفعة مقدمة، والـ85 بالمائة الباقية يتم تمويلها من القرض بفترة سماح مدة الإنشاء، ثم السداد بعد ذلك على 10 سنوات.

 

أكبر مدينة ترفيهية 


على الخطى ذاته، سيتم تنفيذ أكبر مدينة ترفيهية على مستوى الشرق الأوسط ضمن مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، وذلك بتكلفة تقترب من 50 مليار جنيه، على مساحة تبلغ نحو 155 فدانًا.  


وتقع المدينة الترفيهية في مواجهة مسجد الفتاح العليم، وتطل على حدائق نهر مصر الأخضر، وستضم متحفًا للضوء، وآخر للشمع، وثالثُا للأوهام (الخداع البصري)، ورابعُا للفضاء، وخامسُا للحيوانات المحلية، إضافة إلى مسرحين مفتوح وهولوجرام لإقامة الحفلات الكبرى، وساحة لعروض الضوء، وأكواريوم للحيوانات البحرية. 

 

وعلى نفس المنوال وقعت مصر 3 عقود استثمارية واتفاقية لإقامة مدينة ترفيهية متكاملة بالعلمين باستثمار أمريكي سعودي مشترك على غرار “ديزنى لاند” بتكلفة استثمارية 3.3 مليار دولار على مساحة 5080 فدانًا. 

 

أعلى سارية 


واستمرارًا لحالة الولع بالأضخم والأكبر والأطول، جاء رفع السيسي علم مصر على أعلى سارية أمام مجلس النواب بالعاصمة الجديدة، يبلغ ارتفاعها 207.8 متر، أي ما يعادل ارتفاع برج القاهرة، وهي مصنوعة من الحديد الصلب بوزن إجمالي 1040 طنًا، في حين يبلغ طول العلم: 60 مترًا، وعرض العلم: 40 مترًا. وتتكون السارية من 11 وصلة تم تركيبها باستخدام أوناش متخصصة، وتزينها قمة ذهبية مزخرفة.

 

أضخم ساعة 


أما آخر مشروعات الأضخم والأكبر والأطول، فتجسدت في إعلان كامل الوزير، نائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل، عن عزم حكومة الانقلاب إنشاء ساعة ضخمة على غرار الساعة الشهيرة بجامعة القاهرة، وذلك في منطقة مميزة أمام محطتي المونوريل وLRT، بما يجعلها بمثابة مركز رئيس للعاصمة الإدارية الجديدة.