في حلقة جديدة من سلسلة السياسات العشوائية والقرارات المرتجلة، فجّرت حكومة الانقلاب أزمة جديدة في قطاع الاتصالات، بفرض رسوم جمركية على الهواتف المحمولة بأثر رجعي، وهو ما تسبب في كارثة حقيقية للمواطنين والتجار على حد سواء. القرار الكارثي أدى إلى توقف عشرات الآلاف من الهواتف عن العمل، ودمّر آلاف المحلات التجارية، ليؤكد من جديد أن دولة العسكر لا تعبأ إلا بجمع الأموال، ولو على حساب حياة الناس واستقرارهم الاقتصادي.
كارثة جمركية غير مسبوقة: 51 ألف هاتف خارج الخدمة
في أكتوبر الماضي، تعطلت أكثر من 51 ألف هاتف محمول فجأة بعد قرار غير مدروس من حكومة الانقلاب بتطبيق رسوم جمركية على الأجهزة المستوردة بأثر رجعي. القرار، الذي جاء دون سابق إنذار أو مهلة، دمّر مصالح الآلاف من المواطنين الذين اشتروا أجهزتهم بشكل قانوني، ووجدوا أنفسهم فجأة أمام هواتف لا تعمل، وخسائر لا تعوّض.
هذا الانفلات في القرارات السيادية يكشف بوضوح عن تجاهل النظام العسكري لمبدأ استقرار السوق، وعدم احترامه لحقوق المستهلكين، بل وتعمده خلق أزمات اقتصادية في قطاعات حيوية تمس المواطن مباشرة.
تدمير القطاع التجاري: آلاف المحلات تغلق أبوابها
الضرر لم يقتصر على المواطنين فقط. وفقًا لشعبة الاتصالات والمحمول باتحاد الغرف التجارية، تسبّب القرار الكارثي في إغلاق آلاف المحلات العاملة في مجال بيع الهواتف المحمولة. قطاع كان يعيل عشرات الآلاف من الأسر، بات اليوم مهددًا بالإفلاس الكامل بسبب قرارات ارتجالية تصدر من مكاتب مغلقة لا تعرف شيئًا عن السوق.
فهل يعقل أن تُفرض ضرائب وجمارك على بضائع تم استيرادها قبل سريان القرار؟! أليس هذا قتلًا مقننًا للاستثمار، وتخريبًا ممنهجًا للاقتصاد المحلي؟ أم أن الهدف هو دفع الجميع إما للفساد أو للإغلاق القسري؟
تجار في مرمى النيران: الدولة تحمّلهم الفشل وتنهبهم بالضرائب
المهندس وليد رمضان، نائب رئيس شعبة الاتصالات، أكد أن التجار يدفعون ثمن الفشل الحكومي، رغم أنهم ملتزمون بدفع كافة الرسوم والضرائب المستحقة. لكن دولة العسكر، التي تموّل موازنتها بنسبة تزيد عن 80% من ضرائب المواطنين، لا تتردد في سحق التجار والمهنيين لملء خزائنها.
فرض الجمارك بأثر رجعي، بحسب رمضان، خلق حالة من فقدان الثقة الكاملة بين التجار والنظام، بعدما أصبح التاجر معرضًا في أي لحظة للخسارة أو العقوبة دون سابق إنذار، حتى لو كان قد التزم بالقانون.
مواطنون ضحايا الفوضى: أجهزة متوقفة وأموال مهدرة
الأكثر فداحة هو ما يتعرض له المواطن نفسه، الذي بات ضحية مباشرة لقرارات حكومة الانقلاب. آلاف الأشخاص اشتروا هواتفهم بعد التأكد من إعفائها جمركيًا عبر تطبيق رسمي أطلقه الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، ليتفاجؤوا بعد ذلك بتعطيل تلك الأجهزة، واتهامهم بامتلاك "هواتف غير مسددة الرسوم".
أين الشفافية؟ وأين احترام المواطن؟ وهل أصبحت المؤسسات الرسمية في دولة الانقلاب مجرّد أدوات خداع بدلًا من أن تكون مصدرًا للثقة؟
المواطنون اليوم يُجبرون على دفع "فدية جمركية" لهواتفهم أو يُتركون دون اتصال، وسط تجاهل رسمي لمعاناتهم، وغياب أي آلية للتعويض أو الإنصاف.
قرار رجعي فاسد: انقلاب على القانون وخرق للدستور
إن ما حدث لا يرقى لمستوى مجرد خطأ إداري، بل هو قرار رجعي يخالف أبسط المبادئ الدستورية التي تمنع تطبيق القوانين والرسوم بأثر رجعي. لكن من يحاسب في دولة يحكمها العسكر؟ من يجرؤ على رفض قرارات فوقية تصدر دون دراسة أو اعتبار لأي آثار اجتماعية أو اقتصادية؟
فرض الرسوم بأثر رجعي لا يُعتبر فقط ظلمًا اقتصاديًا، بل هو انقلاب قانوني صريح على استقرار السوق. لا يمكن الحديث عن جذب استثمارات أو دعم القطاع الخاص في ظل هذا النوع من القمع الضريبي والجمركي الذي يهدد أي نشاط تجاري بالإفلاس في لحظة.
لا إصلاح في ظل الانقلاب.. بل خراب ممنهج
قرار الجمارك بأثر رجعي على الهواتف المحمولة ليس مجرد إجراء مالي، بل هو حلقة جديدة في سلسلة عبث اقتصادي تمارسه حكومة الانقلاب ضد شعبها. في ظل هذا النظام، تُدار البلاد بعقلية الجباية لا التنمية، والقمع لا الإصلاح.
النتائج كارثية: مواطنون محبطون، تجار مفلسون، وسوق فاقد للثقة. وبدلًا من إصلاح الخلل، تصرّ حكومة العسكر على تجاهل الأصوات الغاضبة، والمضي قدمًا في سياسات النهب المنظم.
إذا استمر هذا النهج، فإن المستقبل لن يحمل سوى مزيد من الانهيار، والضحايا سيكونون بالملايين. فهل آن الأوان لإنهاء هذه المهزلة؟ أم أن الخراب لا يزال في بدايته؟

