دخل مئات العمال في الشركة العربية وبولفارا للغزل والنسيج بمدينة الإسكندرية، في إضراب مفتوح عن العمل، احتجاجًا على توقف خدمات التأمين الصحي عنهم منذ أكثر من شهر، في ظل معاناة مئات المرضى من العمال وأسرهم من انقطاع العلاج، وحرمان بعضهم من الجلسات الكيماوية والعلاج الدوري لأمراض مزمنة.
ويأتي هذا التحرك بعد فشل محاولات متكررة لحل الأزمة التي تفجرت منذ مطلع أكتوبر الماضي، حين أوقفت هيئة التأمين الصحي بالإسكندرية تقديم خدماتها الطبية والعلاجية لـنحو 1200 عامل في الشركة، بسبب مديونية ضخمة تجاوزت 158 مليون جنيه لصالح الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، نتيجة توقف الشركة عن سداد الاشتراكات منذ عام 2018.
غضب العمال.. “المرض لا ينتظر”
في أجواء مشحونة داخل مصنع الغزل الضخم بمنطقة محرم بك، احتشد عشرات العمال في ساحات الشركة صباح اليوم، رافعين لافتات تطالب بـ“عودة التأمين الصحي فورًا” و“العلاج حقنا مش رفاهية”.
أحد العمال قال، وهو يشارك في الإضراب، إنهم انتظروا أكثر من 40 يومًا على أمل تدخل الإدارة لحل الأزمة، لكن دون جدوى، ما اضطرهم إلى التوقف عن العمل.
وأضاف: “رئيس الشركة جه كلمنا وقال عندنا حق، وطلب مهلة جديدة، بس إحنا عندنا عمال حالتها حرجة محتاجة عمليات، ينفع يستنوا؟ العملية في مستشفى خاص بتكلف 30 ألف جنيه، وإحنا مش قادرين نجيب مصاريف العلاج اليومي”.
لكن سرعان ما تبدلت لهجة الإدارة بعد رفض العمال فض الإضراب، حيث نقل أحدهم عن رئيس مجلس الإدارة قوله لهم: “الكهربا أولى منكم، أنا بسد الكهربا علشان نفضل شغالين، مش هدور على التأمين والشركة تعطل”.
اتهامات بالضغط والخذلان النقابي
وأكد عدد من العمال أن اللجنة النقابية بالشركة مارست ضغوطًا كبيرة على زملائهم لإنهاء الإضراب، متهمين رئيس اللجنة وأعضاءها بالانحياز إلى جانب رئيس مجلس الإدارة.
وقال عامل آخر: “اللجنة النقابية المفروض تدافع عن العمال، لكنهم بيقفوا ضدنا، وبيحاولوا ينهوا الإضراب علشان يرضوا الإدارة”.
وفي محاولة لتهدئة الأوضاع، تعاقدت الشركة مع طبيبين للكشف على العمال ثلاثة أيام أسبوعيًا، على أن تتحمل الشركة تكلفة العلاج مؤقتًا، لكن هذا الحل المؤقت فشل في تلبية احتياجات المرضى.
يوضح أحد العمال: “الكشف موجود فعلاً، بس الشركة بتصرف شريط واحد من كل نوع علاج، والباقي على حسابنا. يعني اللي بياخد علاج شهري بيدفع ألف جنيه من جيبه، وده فوق طاقة أي عامل”.
أزمة مالية ممتدة منذ سنوات
من جانبه، ألقى رئيس اللجنة النقابية بالشركة، عادل سعد محرم، باللوم على الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، مؤكدًا أن الشركة تعثرت ماليًا منذ 2018، وأن المديونية تراكمت بسبب توقف ضخ استثمارات جديدة وبيع أراضٍ مملوكة للشركة.
وأضاف أن هناك قضية منظورة تتعلق ببيع قطعة أرض كبيرة مملوكة للشركة، “وعندما يتم البيع ستحصل الهيئة على مديونيتها كاملة، لكن الهيئة رغم علمها بذلك أوقفت الخدمات الآن دون انتظار نتيجة الدعوى”.
لكن تصريحات محرم قوبلت برفض واسع من العمال الذين اعتبروا تبرئته لرئيس الشركة الحالي “انحيازًا واضحًا للإدارة”، مشيرين إلى أن رأفت توفيق قابيل يتولى رئاسة الشركة منذ سنوات طويلة، وكان عليه معالجة الأزمة قبل تفاقمها.
من “قلعة صناعية” إلى شركة مثقلة بالديون
تُعد الشركة العربية وبولفارا من أعرق مصانع الغزل والنسيج في مصر، إذ كانت حتى تسعينيات القرن الماضي إحدى القلاع الصناعية التابعة لقطاع الأعمال العام، قبل أن تتحول عام 1997 إلى شركة مساهمة خاصة وفقًا لقانون الاستثمار 159.
ورغم تحولها إلى القطاع الخاص، إلا أن الشركة القابضة للغزل والنسيج ما تزال تمتلك جزءًا من أسهمها إلى جانب مساهمين آخرين مثل بنك ناصر ومصر للتأمين.
ومع مرور السنوات، تدهورت أوضاع الشركة بشكل ملحوظ، إذ تم بيع مساحات واسعة من أراضيها لتسديد الديون، وتراجع الإنتاج إلى حدود دنيا، حتى أصبحت الشركة تعمل لحساب الغير؛ حيث يوفر العملاء المواد الخام ويقوم العمال بعمليات الغزل فقط، مقابل أجر إنتاج محدود.
كما تقلص عدد العمال من أكثر من 10 آلاف عامل إلى نحو 1200 فقط اليوم.
مطالب العمال: علاج وكرامة وإنقاذ ما تبقى من المصنع
يطالب العمال المحتجون بعودة خدمات التأمين الصحي فورًا لجميع العاملين، وسداد المديونيات المتأخرة للهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، وتشكيل لجنة من وزارتي القوى العاملة وقطاع الأعمال لمراجعة أوضاع الشركة المالية والإدارية.
ويقول أحدهم في ختام حديثه: “إحنا مش بنطلب فلوس ولا زيادات، إحنا بنطلب حقنا في العلاج. كل يوم التأمين متعطل فيه في ناس بتموت من غير دوا، والمصنع اللي كان بيأكل آلاف الأسر بقى على وشك الإغلاق”.

