رغم مرور سنوات على إطلاق وعود حكومية متكررة، لا تزال أزمة خطباء المكافأة ومقيمي الشعائر في مصر تراوح مكانها، دون حلول جذرية أو مسارات واضحة لتثبيت أوضاعهم المهنية. آلاف من هؤلاء العاملين يواصلون أداء مهامهم الدعوية في المساجد، دون أي ضمانات وظيفية أو تأمينات، مقابل مكافآت لا تكفي لسد رمق الحياة، في ظل تجاهل رسمي مقلق يزيد من حدة الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهونها.
 

وعود لا تتحقق ومسارات تثبيت غامضة
منذ عامي 2020–2021، أعلنت وزارة الأوقاف نيتها تسوية أوضاع خطباء المكافأة تدريجيًا عبر مسابقات أو اختبارات دورية، إلا أن التنفيذ بقي جزئيًا وشمل أعدادًا محدودة فقط. يشير المتابعون إلى أن الغالبية العظمى ما زالت خارج منظومة التعيين، ويعملون بعقود شفهية أو مكافآت موسمية لا تمنحهم أي حقوق وظيفية.
كما أن معظمهم لا يندرج تحت قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016، ما يعني حرمانهم من التأمين الصحي، التأمين الاجتماعي، الإجازات الرسمية، والترقيات. يقول أحد الخطباء: "نخدم بانتظام، نحضر الخطبة ونلتزم بالمنهج الدعوي، لكننا نظل في نظر الدولة مجرد عمال مؤقتين لا حقوق لهم".
 

أجور لا تواكب المعيشة وتحديات الالتزام بالخطاب الديني
مع تزايد أعباء الحياة وارتفاع الأسعار، أصبحت المكافآت الهزيلة التي يتقاضاها الخطباء—نحو 920 جنيهًا—ومقيمو الشعائر—نحو 400 جنيه—بعيدة تمامًا عن أي معيار للعيش الكريم. لا تغطي هذه الأرقام حتى تكاليف التنقل إلى المساجد أو شراء الزي المناسب والكتب والمصادر اللازمة لتحضير الخطب.
ويشير بعضهم إلى أن هذا الوضع المالي يعيق أداءهم ويضعف من جودة الرسالة الدينية. "كيف ألتزم بخطبة قوية ومتقنة وأنا لا أستطيع شراء كتاب واحد أو دفع مواصلات الجمعة؟"، يتساءل خطيب شاب في محافظة نائية.
 

مطالب الخطباء: تعيين دائم وتأمينات ورفع المكافآت
يطالب العاملون بحزمة مطالب عادلة، تشمل:

  • دمج المستوفين للشروط ضمن مسار تعيين دائم مع الإعلان عن جدول زمني واضح.
  • رفع فوري للمكافآت وربطها بنسبة من الحد الأدنى للأجور.
  • إدراجهم ضمن منظومة التأمينات الاجتماعية والتأمين الصحي.
  • ضمان حقهم في الإجازات والترقي المهني.
  • تطبيق نظام اختبارات موحدة وشفافة للترقية والتعيين.
     

حلول تشريعية وإدارية مطلوبة لتسوية عادلة
يرى الخبراء أن الحل ليس مستحيلًا. بإمكان وزارة الأوقاف، بالتنسيق مع وزارتي المالية والتنظيم والإدارة، فتح درجات وظيفية تدريجية حسب احتياج المساجد. كما يمكن اعتماد نظام عقود مؤقتة لمدة عامين، تتحول إلى دائمة بعد اجتياز فترة تقييم.
الحل الآخر هو التمويل المرحلي: فمثلًا، زيادة 1000 جنيه شهريًا لكل ألف خطيب، تُكلّف الدولة نحو 12 مليون جنيه سنويًا فقط. وهو رقم يمكن تدبيره ضمن إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام.
 

غياب الشفافية يفاقم الأزمة والثقة تتآكل
واحدة من أبرز مشكلات الملف هي غياب الشفافية. فلا توجد بيانات معلنة عن أعداد خطباء المكافأة، حجم الاعتمادات المالية المخصصة لهم، أو خريطة الاحتياج الفعلي للمساجد في المحافظات. هذا الغموض يغذي الشكوك ويمنع الرقابة المجتمعية.
كما يشكو العاملون من غياب منصة رسمية لتلقي الشكاوى أو متابعة الطلبات، ما يجعلهم في حلقة مفرغة من التقديم والإهمال الإداري.
 

الكرة في ملعب الحكومة: هل تستجيب للأصوات الميدانية؟
في النهاية، يظل مطلب خطباء المكافأة ومقيمي الشعائر واضحًا وبسيطًا: معاملة عادلة تضمن الحد الأدنى من الكرامة المهنية والاجتماعية، وهم الذين يخدمون منابر الدولة أسبوعيًا في ظروف لا توفر لهم أبسط الحقوق.
إن استجابة الدولة اليوم ليست فقط مسألة قانونية أو مالية، بل هي اختبار لقدرتها على احترام من يخدمونها بصمت. هل نرى خطوات عملية، أم تظل الأزمة رهينة الوعود المؤجلة؟