أطلقت حكومة الانقلاب في مصر مؤخرًا أول إصدار من الصكوك السيادية بالعملة المحلية (الجنيه المصري)، في خطوة تهدف إلى تنويع أدوات التمويل الحكومي وتقليل الاعتماد على الدين الخارجي.

 

وعلى الرغم من الفوائد الظاهرة لهذه الصكوك، مثل جذب المستثمرين المحليين وتوفير سيولة إضافية لتمويل المشاريع، إلا أن هذه الخطوة تأتي مصحوبة بتحذيرات كبيرة حول انعكاساتها المستقبلية على الاقتصاد والموازنة العامة.

 

فإصدار الصكوك يضيف التزامات مالية جديدة على الدولة، من حيث دفع العوائد وسداد رأس المال في المواعيد المحددة، مما قد يزيد من عبء الدين المحلي ويضغط على الموازنة العامة.

 

وعلى المدى البعيد، يمكن أن يؤدي الإفراط في إصدار هذه الأدوات دون دعم حقيقي للنشاط الاقتصادي إلى تفاقم المخاطر المالية، وارتفاع التضخم، وضغوط على العملة المحلية، ما يجعل من الضروري التعامل معها بحذر شديد وتخطيط استراتيجي محكم.

 

هدف الحكومة من الإصدار

 

وقالت وزارة المالية بحكومة الانقلاب في أول بيان لها عقب الطرح، إن الإصدار يهدف إلى توسيع قاعدة المنافسة وجذب مدخرين جدد للاستثمار في الأوراق المالية الحكومية، بما يسهم في خفض تكلفة التمويل.

 

وأضافت الوزارة أن الصكوك تستهدف استقطاب شريحة جديدة من المستثمرين المهتمين بالأدوات المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، لدعم جهود الدولة في تنويع مصادر التمويل وإطالة عمر محفظة الدين العام.

 

حجم برنامج الصكوك

 

وتشكل هذه الشريحة الأولى من برنامج الصكوك السيادية البالغ 200 مليار جنيه (نحو 4.21 مليارات دولار)، وهي صكوك إجارة قائمة على التأجير التمويلي لأصول مملوكة لوزارة المالية في رأس شقير بالبحر الأحمر.

 

وكانت مصر قد أنشأت برنامجًا عامًا لإصدار الصكوك السيادية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية بهدف تنويع مصادر التمويل وخفض تكلفة خدمة الدين، وضاعفت قيمته من 25 إلى 200 مليار جنيه (من 526 مليونًا إلى 4.21 مليارات دولار) بعد الإقبال القوي من البنوك والمؤسسات المالية.

 

وأصدر قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في يونيو 2025 قرارًا بتخصيص أكثر من 174 مليون متر مربع، أي ما يعادل نحو 41.5 ألف فدان من أراضي الدولة في منطقة رأس شقير لصالح وزارة المالية لاستخدامها في خفض الدين العام وإصدار الصكوك السيادية.

 

الصكوك وموجة جديدة من التمويل الإسلامي

 

قال الخبير المصرفي طارق متولي، إن إصدار مصر لأول صكوك سيادية، ولا سيما صكوك الإجارة، يمثل خطوة نوعية في سوق الدين المحلي، إذ ترتبط هذه الصكوك بأصول حقيقية مملوكة للدولة، ما يوفر شفافية وضمانات إضافية للمستثمرين مقارنة بالسندات التقليدية، وهو ما يجذب اهتمام البنوك الإسلامية الكبرى.

 

وأوضح متولي أن إصدار الصكوك السيادية جاء استجابة لسببين رئيسيين:

 

  • تنويع مصادر تمويل عجز الموازنة وتقليل تكلفة الاقتراض.

 

  • تلبية احتياجات المستثمرين الباحثين عن أدوات مالية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، وفقًا لـ"الجزيرة نت".

 

ديون بثوب جديد

 

ويرى متولي أن هذه الخطوة تمهد الطريق لموجة جديدة من التمويل الإسلامي في مصر، نظرًا لوجود قاعدة واسعة من العملاء في البنوك الإسلامية تبحث عن أدوات استثمارية شرعية.

 

ورغم إشادته بالخطوة، أشار الخبير المصرفي إلى أن الصكوك ليست سوى صيغة جديدة للدين الحكومي، فهي تسهم في خفض تكلفة التمويل، لكنها لا تقلل من حجم الدين العام، مضيفًا أنها تعكس، في الوقت ذاته، ثقة المؤسسات المالية في قدرة الحكومة المصرية على الوفاء بالتزاماتها.

 

فجوة تمويلية ضخمة

 

وتُقدر الفجوة التمويلية للعام المالي الحالي بنحو 3.6 تريليونات جنيه (75.8 مليار دولار)، وتخطط وزارة المالية لتغطية هذا العجز بـ:

 

  • إصدار أدوات دين محلية بقيمة 3.2 تريليونات جنيه (67.4 مليار دولار)، منها: 1- 2.2 تريليون جنيه (46.3 مليار دولار) في شكل أذون خزانة. 2- 928.9 مليار جنيه (19.6 مليار دولار) في شكل سندات خزانة.

 

  • الاقتراض والإصدارات الدولية بقيمة 400 مليار جنيه (نحو 8.4 مليارات دولار).

 

أبرز المخاطر المحتملة

 

فيما يلي أبرز 5 مخاطر محتملة لإصدار الصكوك بالجنيه المصري على الدولة، رغم ما تحققه من تنويع في أدوات التمويل:

 

1 -  زيادة الدين المحلي العام

 

رغم أن الصكوك تختلف شكليًا عن السندات التقليدية، فإنها تظل التزامًا ماليًا على الدولة يجب سداده بعوائد محددة، ما يعني استمرار ارتفاع الدين المحلي وتكلفة خدمته، خاصة في ظل معدلات فائدة مرتفعة.

 

2 - ضغط على الموازنة العامة

 

سيتعين على الحكومة دفع عوائد دورية للمستثمرين في الصكوك، ما يضيف عبئًا على بند الفوائد في الموازنة، الذي يمثل أصلًا نسبة كبيرة من الإنفاق العام، ويقلص الموارد المتاحة للخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة.

 

3 - مخاطر فقدان الثقة في العملة

 

إذا أصدرت الحكومة الصكوك بكثافة دون تحسن حقيقي في الإنتاج والإيرادات، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة المعروض النقدي وبالتالي مزيد من الضغوط التضخمية وفقدان الثقة في الجنيه، خصوصًا إذا لجأت الدولة إلى التمويل المحلي لتعويض نقص التمويل الخارجي.

 

4 - تآكل قدرة الحكومة على السداد

 

تراكم الالتزامات قصيرة الأجل يؤدي إلى إعادة تدوير الديون بشكل مستمر، أي أن الدولة تضطر لإصدار أدوات جديدة لتسديد القديمة، وهو ما قد يزيد من مخاطر التعثر المالي مستقبلًا في حال ضعف الإيرادات أو ارتفاع أسعار الفائدة.

 

5 - محدودية تأثير الصكوك على التنمية الحقيقية

 

إذا لم تُوجّه حصيلة الصكوك إلى مشروعات إنتاجية ذات عائد اقتصادي فعلي، فستتحول إلى مجرد وسيلة لتمويل العجز الجاري، دون أن تُسهم في خلق قيمة مضافة أو فرص عمل، ما يفاقم الأزمة بدلًا من حلها.

 

فوائد الديون تلتهم إيرادات الدولة

 

رغم النجاح في تدبير التمويل، لا تزال فوائد الديون تشكل ضغطًا هائلًا على الميزانية العامة، إذ التهمت هذه الفوائد كافة إيرادات الدولة خلال الربع الأول من العام المالي، بل تجاوزت إجمالي الإيرادات بنحو 50 مليار جنيه (1.05 مليار دولار).

 

وتأتي هذه التحديات في وقت تتوقع فيه الحكومة تسجيل عجز كلي بنسبة 7.3% من الناتج المحلي الإجمالي للسنة المالية الجارية.

 

ووفقًا لتقرير وزارة المالية، ارتفع العجز المالي إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأول، في وقت زادت فوائد الديون بنسبة 54% لتبلغ 695 مليار جنيه (14.6 مليار دولار) من إجمالي المصروفات، لتصبح العبء الأكبر على الموازنة والاقتصاد المصري ككل.