أعادت واقعة منع ابنة رجل الأعمال إبراهيم العرجاني من دخول مطعم «إسكا» بالقاهرة الجديدة بسبب ارتدائها الحجاب، ثم إغلاق فروع المطعم بشكل مفاجئ، تسليط الضوء على حجم النفوذ الذي يتمتع به بعض رجال الأعمال المقربين من السلطة في مصر، وعلى رأسهم العرجاني، أحد أبرز رجال النظام في ملفات الأمن والقبائل.
الحادثة، التي تبدو في ظاهرها واقعة اجتماعية محدودة، كشفت عن أزمة بنيوية في علاقة الدولة بالقطاع الخاص، وعمق التداخل بين رأس المال والسلطة، في مشهد يُبرز غياب الشفافية والمساءلة، وتحوّل الدولة إلى شبكة مصالح متشابكة تُدار خارج مؤسساتها الرسمية.
العرجاني.. من مقاول محلي إلى ذراع غير رسمي للسلطة
يُعتبر إبراهيم العرجاني من أبرز الوجوه الاقتصادية والسياسية في عهد عبد الفتاح السيسي. بدأ نشاطه في سيناء، وتمكن خلال سنوات قليلة من بناء شبكة مصالح تمتد إلى ملفات الأمن القومي، والوساطة القبلية، وإعادة الإعمار في غزة وليبيا.
يترأس العرجاني اتحاد القبائل العربية، الذي يُنظر إليه على نطاق واسع كأداة غير رسمية بيد السلطة لإدارة الملفات الحساسة في سيناء والحدود الغربية.
وفي هذا السياق، قال الباحث السياسي المصري المقيم في باريس، عمرو مجدي، إن «صعود رجال أعمال مثل إبراهيم العرجاني يعكس تحول الدولة إلى نظام يقوم على الولاءات، لا على المؤسسات، ويؤسس لسلطة موازية تعمل بمعايير القوة لا بمعايير القانون».
كما أوضح الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق أن «الاقتصاد المصري يعاني من ظاهرة الرأسمالية التابعة، حيث تُمنح الامتيازات الكبرى لشخصيات مرتبطة بالأجهزة السيادية، ما يؤدي إلى تآكل المنافسة واحتكار الثروة والنفوذ».
إغلاق «إسكا».. نفوذ يتجاوز حدود القانون
إغلاق فروع مطعم «إسكا» بعد منع ابنة العرجاني من الدخول لم يكن مجرد رد فعل شخصي، بل رسالة واضحة تعكس مدى اختراق رجال النفوذ للقطاع الخاص.
ففي الوقت الذي نفت فيه إدارة المطعم وجود أي تمييز ضد المحجبات، أكدت شهادات متعددة أن الواقعة حدثت بالفعل، وأن الإغلاق المؤقت جاء استجابة لضغوط مباشرة من دوائر مقربة من العرجاني.
ويرى الباحث في الشأن المصري، مصطفى كامل السيد، أن «تأثير رجال الأعمال المرتبطين بالأجهزة الأمنية وصل إلى درجة جعلت القرارات الاقتصادية والاجتماعية تُتخذ خارج الإطار المؤسسي، في ظل ضعف الحكومة وغياب المحاسبة».
الحادثة، التي وُصفت بأنها “إغلاق قسري مؤقت”، كشفت أن سلطة النفوذ أصبحت أقوى من سلطة الدولة، وأن التمييز لم يعد فقط مسألة اجتماعية بل انعكاسًا لبنية سياسية مأزومة.
التمييز ضد المحجبات.. عرض لأزمة أعمق
ليست هذه المرة الأولى التي يُثار فيها الجدل حول منع المحجبات من دخول مطاعم أو منتجعات راقية في مصر.
ففي عام 2023، وقعت حادثة مماثلة في فرع «إسكا» بمدينة الرحاب، عندما تم طرد مجموعة من الفتيات بسبب الحجاب، ما أثار غضباً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي. ورغم نفي وزارة السياحة وجود أي قرار رسمي بالمنع، فإن تقارير حقوقية مصرية ودولية أكدت وجود نمط متكرر من التمييز في بعض المنشآت السياحية الراقية.
وفي هذا السياق، قال الحقوقي نجاد البرعي إن «الدولة تتعامل بازدواجية مع ملف الحريات الشخصية، فهي لا تطبق القانون عندما يتعلق الأمر بحقوق الفئات الاجتماعية أو الدينية، لكنها تتدخل بقوة عندما تمس مصالح رجال النفوذ».
وأضاف أن «غياب الردع القانوني الحقيقي شجّع على استمرار التمييز الطبقي والديني في المجتمع المصري».
السيسي والدولة المتآكلة: نفوذ يتقدم وقانون يتراجع
ترى أوساط سياسية أن صعود رجال مثل إبراهيم العرجاني لم يكن ممكناً دون رعاية النظام الحاكم نفسه، الذي فتح المجال أمام رجال الأعمال المقرّبين من الأجهزة الأمنية والعسكرية لتوسيع نفوذهم داخل الاقتصاد والسياسة.
ويقول أستاذ الاقتصاد السياسي، الدكتور حازم حسني، إن «النظام المصري خلق طبقة من رجال الأعمال تشكل درعاً له، لكنها في الوقت ذاته أصبحت مركز قوة ينافسه على القرار».
ويرى أن «هذه الحالة تشبه ما حدث في السودان مع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حيث نما نفوذ رجل واحد إلى درجة هددت الدولة نفسها».
الحكومة من جانبها التزمت الصمت التام تجاه الواقعة، لا تحقيق، ولا بيان رسمي، ما يعكس هشاشة مؤسساتها أمام سطوة رجال المال المتصلين بالسلطة.
وأخيرا فحادثة مطعم «إسكا» ليست مجرد قصة عن تمييز ضد محجّبة، بل مرآة تعكس عمق التداخل بين المال والسياسة، وبين رجال الأعمال والدولة في مصر.
كما تعد نموذج مصغر لكيفية تحوّل رجال النفوذ إلى مراكز سلطة تتحكم في القرارات الاقتصادية والاجتماعية خارج القانون.
إن استمرار هذا النمط يعني أن مصر تسير نحو نموذج «الدولة الموازية» التي تُدار بالمصالح والولاءات لا بالدستور والمؤسسات.
وفي ظل صمت الحكومة وتواطؤ النظام، تبقى سيادة القانون غائبة، والمواطن البسيط هو الخاسر الأكبر في معركة النفوذ التي لا تتوقف بين رجال السيسي.

