الوقوف على صعيد عرفة الطاهر والطواف حول الكعبة وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم هي أمنية كل مسلم على وجه الأرض، فما من أحد إلا وحدثته نفسه رغبة واشتياقًا بالذهاب إلى الأراضي المقدسة، لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام.

 

لكن ذلك أصبح عسيرًا على كثير من الناس في زماننا هذا، بعد أن وصلت تكلفة السفر والحج في مصر إلى أرقام كبيرة يعجز غير القادرين على توفيرها، وبخاصة مع تزايد الأعباء المعيشية، وحالة الانهيار الاقتصادي التي تشهدها البلاد منذ سنوات وأدت إلى انهيار الجنيه أمام العملات الأخرى. 

 

الأغلى في العالم

 

ومن العجب أن نسمع عن تلك الأرقام في مصر، بينما في دول أخرى تبدو تكلفة السفر لأداء الحج أقل بكثير منها، وهو ما يستدعي التساؤل حول أسباب المغالاة في رحلات الحج في مصر مقارنة بغيرها، ولماذا تتولى وزارة الداخلية الإشراف على ما يعرف بـ "حج القرعة".

 

وفي موسم حج العام الماضي بلغت تكلفة حج القرعة، 220 ألف جنيه دون تذكرة الطيران، بزيادة 70 ألف جنيه عن العام السابق. بينما تجاوز ما يعرف بالحج السياحي 400 ألف جنيه، على الرغم من تراجع التضخم من مستوى 33 بالمائة العام الماضي إلى أقل من 17 بالمائة.

 

ولم تتوقف الزيادة عند هذا الحد، بل تبعتها أسعار تذاكر الطيران التي شهدت ارتفاعًا غير مسبوق وصل إلى 100 بالمائة في العام الماضي.

 

الأمر الذي دفع النائب البرلماني أحمد إدريس إلى التصريح بأن أسعار الحج في مصر هي الأغلى على مستوى العالم. وأضاف في مداخلة تلفزيونية: "المصريون بالخارج يحجون حج خمس نجوم بنصف المبلغ المطلوب من المصريين بالداخل، رغم أنهم ينزلون في الفنادق ذاتها، ويستخدمون نفس وسائل النقل".

 

وتبلغ حصة مصر الرسمية من تأشيرات الحج أكثر من 78 ألفًا، تتوزع بين وزارات السياحة والداخلية والتضامن، وتستحوذ وزارة السياحة على النصيب الأكبر بواقع 36 ألف تأشيرة. وعادة ما يلجأ متوسطو الدخل إلى التقديم في "حج القرعة"، حيث تجري وزارة الداخلية قرعة لاختيار الحجاج، وهو الأقل تكلفة من الحج الاقتصادي والحج السياحي. 

 

حج القرعة

 

وشكا كثير من الحجاج خلال أداء مناسك الحج في مواسم سابقة من انعدام الرعاية والخدمات المقدمة من جانب وزارة الداخلية، والتي تنيط المسؤولية الإشرافية إلى ضباط تابعين لها، مع ما يشوب ذلك من مجاملات ومحسوبية في عملية الاختيار، وهو ما ينعكس على سوء الخدمات والرعاية للحجاج في الأراضي المقدسة.

 

وفي عام 2016، أقام المستشار محمد ماهر عادل، دعوى قضائية طالب فيها ببطلان إسناد تنظيم بعثات حج القرعة لوزارة الداخلية، لكن محكمة القضاء الإداري أصدرت حكمًا برفضها.

 

وتقدم ماهر بطعن على قرار الرفض، طالب فيه بإلغاء الحكم وإصدار حكم نهائي بإلغاء قرار إشراف الداخلية على بعثة الحج.

 

وقال في الطعن إن "وزارة الداخلية غير مختصة قانونًا بتنظيم تلك البعثات، الأمر الذي جعلها تفشل على مدار أعوام في تنظيمها، فضلاُ عما يعانيه الحجاج في تلك البعثات من عشوائية وتقصير من قبل مسؤولي وزارة الداخلية المشرفين عليها".

 

وكان ذلك ضمن جملة من التغييرات التي كان سيتم تطبيقها حال نجاح ثورة 25 يناير، من خلال تكليف جهة مدنية بتولي مسؤولية الإشراف على تنظيم رحلات الحج واختيار الحجاج وفقًا لقواعد موضوعية في الأساس دون أي تدخل من جانب وزارة الداخلية.