بينما تتفاخر حكومة السيسي بما تصفه بـ"نمو سوق الدواء" وازدهار المبيعات، تكشف الأرقام واقعًا مختلفًا تمامًا. فارتفاع مبيعات الأدوية في مصر إلى نحو 240 مليار جنيه خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2025، مقابل 169 مليارًا فقط في الفترة نفسها من العام الماضي، لا يعكس انتعاشًا اقتصاديًا بقدر ما يُجسّد الغلاء الفاحش الذي حوّل المرض والعلاج إلى عبء جديد على المواطن.


ومع كل قرار جديد لتحرير الأسعار أو رفع الوقود والكهرباء، يدفع المصريون من صحتهم وجيوبهم ثمن سياسات حكومية لا تعرف سوى الحل الأسهل: تحميل المواطن الكلفة كاملة.
 

ارتفاع المبيعات.. انعكاس للغلاء لا للنمو


يقول علي عوف، رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، إن إنفاق المصريين على الدواء بلغ 25 مليار جنيه في أكتوبر الماضي، مقارنة بـ 22 مليار جنيه في الشهر نفسه من 2024، بزيادة بلغت 13%.


لكن هذه القفزة لا تعني توسعًا في استهلاك الأدوية أو تحسنًا في الخدمات الصحية، بل ارتفاعًا في الأسعار عقب قرارات الحكومة بتحرير سعر الصرف ورفع أسعار الطاقة. المواطن يدفع أكثر ليحصل على نفس الدواء، فيما تستمر الحكومة في الترويج لما تسميه “نموًا في القطاع”.
 

قرارات حكومية أشعلت أسعار الدواء


بعد قرار البنك المركزي بتحرير سعر الصرف في مارس 2024، أطلقت هيئة الدواء المصرية في يونيو من العام نفسه موجة واسعة من تحريك الأسعار شملت مئات الأصناف. وبدلًا من دعم الصناعة أو كبح التضخم، أدّت هذه السياسات إلى مضاعفة الأعباء على المواطنين، وخلق بيئة فوضوية في التسعير.


منذ ذلك الحين، تتراوح معدلات الزيادة الشهرية في مبيعات الأدوية بين 10 و15%، وهو نمو شكلي مدفوع بالأسعار لا بالإنتاج أو الاستهلاك.
 

شعبة الأدوية تطالب برفع جديد للأسعار


في خطوة تثير الجدل، كشف عوف أن الشعبة تستعد لتقديم طلب جديد لرفع أسعار 1000 صنف دوائي بنسبة تصل إلى 10%، بحجة ارتفاع تكاليف الوقود والمياه والغاز الطبيعي ورسوم هيئة الدواء.


وبرغم حديث الحكومة عن حماية الصناعة، فإن مثل هذه القرارات لا تخدم سوى مصالح الشركات الكبرى، بينما يظل المواطن عاجزًا أمام رفوف الصيدليات التي تحولت إلى ساحة للمضاربة السعرية لا مكان فيها للمرضى محدودي الدخل.
 

نقص في الأدوية الحيوية رغم الزيادات


ورغم ارتفاع الأسعار، ما زالت السوق المصرية تعاني من نقص واضح في أدوية القلب والسكر والضغط والغدة والأورام.


ويرى مراقبون أن هذا النقص المتواصل يثبت فشل الحكومة في إدارة سوق الدواء، إذ لم تُترجم الزيادات السعرية إلى وفرة إنتاج، بل إلى تفاقم العجز، ما يجعل المريض ضحية لسياسات تجمع بين الغلاء وندرة الدواء.
 

تكاليف الإنتاج تشتعل بقرارات حكومية


مع إعلان وزارة البترول منتصف الشهر الماضي رفع أسعار الوقود بنسبة 13% للمرة الثانية خلال عام 2025، ارتفعت تكلفة إنتاج الدواء بنسبة 5%، وتكلفة التوزيع بنحو 20%.


هذه الزيادات المتتالية تعكس غياب رؤية اقتصادية متكاملة لدى الحكومة، التي تكتفي بتحميل القطاع الطبي كلفة القرارات دون أي خطة لحماية المريض من آثارها.
 

دعوات لتخفيض الرسوم لا تصلح ما أفسدته السياسات


رغم محاولات بعض مسؤولي القطاع الدعوة إلى تخفيض رسوم هيئة الدواء بنسبة 50 إلى 75% لتخفيف الضغط على المصانع، تبقى هذه مقترحات محدودة التأثير، لأن الأزمة الحقيقية في نهج التسعير العشوائي الذي ربط سعر الدواء بسعر الدولار والوقود دون أي سقف اجتماعي يحمي المواطن.
 

الدواء سلعة والمريض ضحية


ما تصفه الحكومة بنمو سوق الدواء ليس سوى نمو في فاتورة المرض التي يدفعها المواطن المصري يومًا بعد يوم.

 

فبينما تتضاعف أرقام المبيعات في التقارير الرسمية، تتضاعف معها معاناة الفقراء والمرضى الذين لم يعد العلاج متاحًا لهم إلا بالديون أو الاستغناء.


لقد تحوّلت الصحة إلى سلعة، والدواء إلى رفاهية، والمواطن إلى الحلقة الأضعف في اقتصاد يربح فيه الجميع إلا المريض.