افتتحت مصر، السبت، المتحف المصري الكبير عند أقدام أهرامات الجيزة، ليصبح أكبر متحف في العالم مخصص للحضارة المصرية القديمة، في مشروع ضخم تأخر إنجازه نحو عقدين، وتراهن عليه الحكومة لتعزيز السياحة وإنعاش اقتصاد يعاني التضخم وارتفاع أسعار الوقود وتكاليف المعيشة.
ذكرت وكالة «أسوشيتد برس» أن أكثر من خمسين ألف قطعة أثرية تُعرض في المتحف، الذي تبلغ تكلفته نحو مليار دولار، وتضم قاعاته الاثنتا عشرة آثاراً تمتد من عصور ما قبل التاريخ حتى العصر الروماني، بينها المجموعة الكاملة لمقتنيات الملك توت عنخ آمون البالغ عددها خمسة آلاف قطعة، تُعرض مجتمعة لأول مرة منذ اكتشاف المقبرة عام 1922.
حضر الافتتاح رؤساء وملوك من مختلف دول العالم. وكتب رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي على وسائل التواصل أن المتحف «يجمع عبقرية المصريين القدماء وإبداع المصريين المعاصرين، ليمنح العالم منارة جديدة للحضارة والمعرفة».
يأتي المشروع ضمن سلسلة من المشروعات العملاقة التي يروج لها النظام منذ 2014، مثل العاصمة الإدارية الجديدة وتوسيع قناة السويس، في إطار محاولات استعادة الثقة في اقتصاد يرزح تحت ضغط ديون ضخمة، وتراجع في قيمة الجنيه، وتآكل القدرة الشرائية للمواطنين.
شددت السلطات الإجراءات الأمنية حول القاهرة، وأعلنت السبت عطلة عامة. أُغلق المتحف لأسبوعين استعدادًا للحدث بعد أن استقبل زيارات محدودة في السنوات الماضية. كما أُعيد تطوير محيط الأهرامات والمتحف، ورُصفت الطرق وأنشئ مطار «سفنكس الدولي» غرب القاهرة ومحطة مترو جديدة لتحسين الوصول إلى الموقع.
يتخذ مبنى المتحف شكل واجهة زجاجية مثلثة تُحاكي الأهرامات، بمساحة عرض دائمة تتجاوز 24 ألف متر مربع، تتوسطها سلالم ضخمة تصطف على جانبيها تماثيل لملوك مصر القديمة، وتؤدي إلى قاعات العرض الرئيسة المطلة على الأهرامات.
ورغم الزهو الرسمي بالحدث، حملت تغطية موقع مدى مصر نبرة أكثر تأملًا. كتب الصحفي أحمد وائل أن «الخطاب الرسمي يعيد نغمة قديمة عن كون مصر هدية العالم»، مستخدمًا استعارة «علبة الهدايا» لوصف المتحف ومراسم افتتاحه التي تحولت إلى عرض ضخم أنتجته شركة «ميديا هب» نفسها التي نظّمت موكب المومياوات الملكية عام 2021.
أشار وائل إلى أن المشروع كلف نحو 1.2 مليار دولار، منها 750 مليون دولار في شكل قرضين من اليابان في 2006 و2016، بفترة سماح عشر سنوات وسداد على مدى عشرين عاماً، بينما تتحمل الحكومة المصرية بقية الكلفة. وأوضح أن المتحف كيان اقتصادي يمكنه إنشاء شركات وتأجير القاعات وتحديد أسعار التذاكر بنفسه، ما يجعله مشروعاً ربحياً في جوهره.
تبلغ تذكرة الدخول 200 جنيه للمصريين و1450 جنيهاً للأجانب. ويضم المتحف 57 ألف قطعة أثرية، ثلاثون ألفاً منها تُعرض لأول مرة. يقول وائل إنه رغم العظمة المعمارية للمكان، فإن المتحف يمثل أيضاً تتويجاً لعملية «إخلاء» واسعة لمحيط الأهرامات، إذ نُقلت مئات الأسر من منطقة نزلة السمان وأُغلقت الفنادق غير المرخصة، وأُبعد أصحاب الخيول والجمال الذين كانوا جزءاً من المشهد الشعبي حول الأهرامات.
يشير التقرير إلى أن تطوير المنطقة منذ 2017 انتقل إلى إدارة الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، ثم أُسندت إدارة الأهرامات لاحقاً لشركة «أوراسكوم للتنمية»، التي وضعت نظاماً يمنع الازدحام ويحوّل التجربة السياحية إلى مشهد منظم يخلو من العشوائية أو الاحتكاك المباشر مع السكان المحليين.
يعيد الكاتب جذور المشروع إلى عام 1992 حين خُصصت الأرض بقرار رئاسي، ثم وُضع حجر الأساس عام 2002 في عهد وزير الثقافة فاروق حسني، الذي قال إن فكرة المتحف وُلدت بعد أن وصف أحد الإيطاليين المتحف القديم في التحرير بأنه «مخزن»، فتعهد حسني ببناء أكبر متحف في العالم.
توقفت الأعمال أثناء ثورة 2011، ثم استؤنفت بعد 2015 وسط أزمة تمويل، لتصل أخيراً إلى لحظة الافتتاح التي يصفها وائل بأنها «ذروة الزهو الرسمي المصري»، لكنها تكشف أيضاً عن مفارقة: بينما يُقدَّم المتحف كرمز لعظمة الأمة، يجري تشييده في ظل واقع اقتصادي خانق، وتحت قبضة سياسية تزداد قسوة، حيث يُحتفى بالماضي كتعويض عن حاضر مضطرب.
وفي ختام مقاله، يقول وائل إن المتحف «يستحق الزيارة فعلاً، لأنه ما سيبقى بعد انتهاء العرض»، في إشارة إلى أن وراء مظاهر الفخامة والتسويق الرسمي، يبقى جوهر المشروع الثقافي نفسه – مساحة تُعيد ربط المصريين بتاريخهم الطويل، وتفتح سؤالاً عن علاقتهم به في حاضرٍ يزداد صعوبة.
https://www.madamasr.com/en/2025/10/31/feature/culture/all-around-the-grand-egyptian-museum/
https://www.dailysabah.com/arts/egypt-opens-worlds-largest-museum-of-its-ancient-civilization/news/amp

