عندما تلقت روزين هينيجان اتصالاً هاتفيًا قبل 22 عامًا يُعلن عن اختيار شركتها المعمارية، المكونة وقتها من أربعة أشخاص، لتصميم أحد أكبر متاحف العالم، ظنت أنها مزحة. فاتصلت بالمسؤول مجددًا للتأكد من أنها ليست "مقلب".

 

"كان الأمر لا يُصدق"، هكذا تذكرت في مقابلة فيديو أجرتها مع شبكة (CNN) من دبلن بأيرلندا، حيث تدير شركة هينيجان بينج للهندسة المعمارية إلى جانب زوجها شيه فو بينج. تقول: "تلقينا المكالمة، فأغلقتُ الهاتف - لأن التعامل كان يتم في تلك الأيام عبر الهاتف أو الرسائل والبريد - وقلتُ: أعتقد أننا فزنا".

 

شركة أيرلندية غير معروفة

 

قبل ثمانية عشر شهرًا، في عام 2002، أطلقت الحكومة المصرية مسابقة تصميم دولية لمتحفها المصري الكبير، ليتم اختيار شركة أيرلندية غير معروفة من بين 1556 عرضًا، لكن الأكثر إثارة للدهشة هو أن تحقيق رؤية هينيجان وبينج سيستغرق أكثر من عقدين من الزمن ــ وميزانية تتجاوز مليار دولار.

 

ويُعد المشروع ذا أهمية بالغة لاقتصاد مصر القائم على السياحة، لدرجة أن الحكومة أعلنت عطلة رسمية بمناسبة افتتاحه.

 

وظهرت خطة المشروع لأول مرة عام 1992، وصمدت أمام ثورة الربيع العربي في مصر عام 2011، والانقلاب العسكري بعد عامين. 

 

وفي عام 2017، أدرجت شبكة CNN المتحف، ضمن قائمتها "لأكثر المباني المنتظر اكتمالها في عام 2018 في العالم"، قبل أن تُبدد جائحة كوفيد-19 آمال الافتتاح الوشيك.

 

وصف بيان للمهندسين المعماريين، المتحف بأنه "شاهد على طول عمر الحضارة المصرية القديمة واتساع نطاقها"، كما يعكس صبر مصمميه. (على سبيل المقارنة، افتُتح مركز بومبيدو في باريس بعد ست سنوات فقط من الإعلان عن الفائز بمسابقة تصميمه عام 1971).

 

قالت هينيجان إنها زارت المتحف، الذي كان لا زال قيد الإنشاء آنذاك، آخر مرة قبل "بضع سنوات". لكنها لم تحضر حفل الافتتاح، لأن الشركة لم تُمنح أي دور إشرافي خلال البناء، فقد اعتمدت أحيانًا على الصور الفوتوغرافية وبرنامج جوجل إيرث لمتابعة تقدم البناء.

 

وأضافت: "في مصر، وفي العديد من المشاريع في تلك المنطقة، في كثير من الأحيان تكون فرق الإشراف مختلفة تمامًا عن فريق التصميم".

 

تغييرات على التصميم الأصلي

 

وأشارت إلى إجراء بعض التغييرات على التصميم الأصلي، لكن هذا "أمرٌ متوقع" لمبنى بهذا الحجم. بالنسبة للمهندسة المعمارية، البالغة من العمر 62 عامًا، والتي كانت في أواخر الثلاثينيات من عمرها عند الإعلان عن المسابقة.

 

قالت بلباقة، ردًا على سؤالها عن التأخيرات المتتالية: "المشاريع الكبيرة معقدة. هذا متحف كبير، وهم ينقلون إليه قطعًا بالغة الحساسية. لذا، إذا استغرق الأمر وقتًا أطول وأُنجز بشكل صحيح، أعتقد أنه يستحق العناء".

 

من بين هذه القطع الأثرية الهشة مخطوطات بردية عمرها آلاف السنين، ومنسوجات، وتوابيت، وفخار، وبقايا بشرية محنطة. 

 

تمتد هذه القطع على مساحة عرض دائمة تزيد عن 258,000 قدم مربع، مما يجعله أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة. تُصنف صالات العرض حسب الحقب التاريخية، من عصر ما قبل الأسرات إلى العصر القبطي - أو من حوالي 3000 قبل الميلاد إلى القرن السابع الميلادي. في الوقت نفسه، يعرض معرض توت عنخ آمون 5000 قطعة عُثر عليها في مقبرة الملك الشاب.

 

وقالت هينجان عن رؤيتها الأصلية للتصميم: "أردنا أن يُقدّر الزوار حجم المجموعة".

 

رحلة الدخول إلى المتحف 

 

في الخارج، ترحب حدائق مُشذّبة وساحة مفتوحة (تضم مسلة تزن 87 طنًا) بالزوار. 

 

تبدأ تجربة المتحف في بهو شاهق، حيث يقف تمثال رمسيس الثاني، الذي يبلغ ارتفاعه 36 قدمًا، شامخًا في حراسة مهيبة. وتمتد الزخارف الهرمية الزوايا المستخدمة في واجهة المبنى - والمُجسّدة بالخرسانة والزجاج والحجر الجيري المحلي - إلى هذا الفناء الداخلي الفخم.

 

تسمح طيات السقف بدخول كمية وافرة من الضوء إلى الفضاء، وهي ميزة تُعزى إلى كون القطع الأثرية الحجرية أقل تأثرًا بأشعة الشمس من القطع العضوية كاللوحات، على سبيل المثال. وانطلاقًا من تقليد المتاحف، رأت هينجان أن ضوء النهار الطبيعي "سيخلق أجواءً أفضل، بدلًا من التواجد دائمًا في مساحة مضاءة اصطناعيًا".

 

القطعة المركزية العملية عبارة عن درج من ستة طوابق، يقود زوار المتحف عبر آثار حجرية وتماثيل فرعونية مرتبة ترتيبًا زمنيًا عكسيًا. على قمته، تقع أعظم الأعمال الفنية على الإطلاق: إطلالة مباشرة وواضحة على مجمع أهرامات الجيزة، على بُعد ما يزيد قليلًا عن ميل.

 

مهمة شاقة

 

زكان تصميم معلم بارز بجوار إحدى عجائب الدنيا السبع القديمة مهمةً شاقةً لأي مهندس معماري. وقد اتسم نهج هينجان وبينج بالاهتمام البصري. 

 

وكان هذا جزئيًا مسألة هندسية: فمنحدر سقف المتحف يشير مباشرةً إلى أعلى نقطة في الهرم الأكبر، ولكن ليس أعلى من ذلك، بحيث لا يتعدى المبنى، رغم ضخامة حجمه، على مظهر جاره أو يُحجبه. عند النظر إليه من الأعلى، تتسع أحجام المتحف مثل تلسكوب واسع العدسة، وتتوافق خطوط جدرانه رياضيًا مع المنظر الذي يخدمه. 

 

في مكان آخر، تقع مرافق التخزين والحفظ، بما في ذلك 17 مختبرًا، في مكان أبعد، متصلة بالمتحف عبر نفق.

 

قالت هينيجان، واصفةً تحدي مراعاة البيئة المحيطة عند التصميم على نطاق واسع: "تحدثنا عن ذلك باعتباره إضافةً جديدةً إلى هضبة الصحراء. لطالما كان هناك توازن. إنه مبنى ضخمٌ وذو أهمية بالغة". 

 

وأضافت أن السر يكمن في منح المتحف "المكانة التي يستحقها"، ولكن أفقيًا فقط، لا عموديًا - أي دون إعاقة خط الأفق.

 

ولعل الافتقار إلى الغرور المعماري هو ما أدى إلى انتصار مخطط هينيجان وبينج على المشاركات من أكثر من 80 دولة في عام 2003. وعلى الرغم من أن الفوز بالمهمة، بعد أربع سنوات فقط من تأسيس شركتهما، فقد عزز مكانتهما العامة ("بالنسبة لنا، فتح لنا عالمًا كاملاً من الاحتمالات"، كما قالت هينيجان، مضيفة: "عرف الناس من نحن بفضل المتحف")، إلا أنهما ظلا ملتزمين بتصميم مدروس وبسيط.

 

أعمال معمارية أخرى

 

لكن الكثير تغير بالنسبة للثنائي خلال العقود التي تلت تلك المكالمة الهاتفية. افتتحت شركتهما مكتبًا في برلين، ويعمل لديهما الآن 20 موظفًا في مشاريع تجارية وسكنية وتعليمية ومدنية. وأنتجا أعمالًا معمارية ثقافية بارزة أخرى، من المتحف الفلسطيني في الضفة الغربية إلى مركز زوار جسر العمالقة في أيرلندا الشمالية.

 

مع ذلك، تُصرّ هينيجان على تصميمها المُبتكر الذي لطالما اشتهرت به هي وشركتها لو طُلب منها اليوم تصميم أعرق متحف في مصر من الصفر، لما تغيّرت كثيرًا، على حدّ قولها.
 

وأضافت: "سيظل نهجنا مشابهًا جدًا. أعتقد أن البنية الأساسية للمشروع متينة للغاية، وأعتقد أنها ستصمد على مر السنين".

 

https://edition.cnn.com/2025/10/31/style/grand-egyptian-museum-opens