في مشهدٍ أثار موجة من السخرية والغضب، ظهر تمثال ذهبي لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في سويسرا، صُنع بتنسيق من ما يسمى «اتحاد شباب مصر في الخارج». لم يكن الحدث احتفالاً بالفن أو الثقافة، بل إعلانًا فجًّا عن مرحلة جديدة من صناعة الزعيم الإله، وتجميل وجه نظامٍ يغرق شعبه في الأزمات بينما ينفق أمواله في الخارج على التلميع والتمجيد.

فقيام اتحاد شباب مصر في أوروبا، بقيادة خديجة عابد، بصنع تمثال ذهبي للجنرال عبد الفتاح السيسي يوحي بإعادة إنتاج ثقافة عبادة الشخصية التي تكرس الحكم الفردي المنفلت من أي مساءلة أو رقابة شعبية حقيقية.

 

عبادة الفرد تعود بوجه حديث
يرى نقاد وسياسيون أن التمثال ليس مجرد مبادرة رمزية، بل انعكاسٌ لفكرٍ سلطوي يعيد إنتاج عبادة الفرد بطرق حديثة. فبينما يتحدث النظام عن «إنجازات غير مسبوقة»، يعيش المواطنون واقعًا من التضخم، والجوع، والبطالة، وانهيار الخدمات.
التمثال، بطلاء الذهب ورمزيته الفرعونية، يعيد للأذهان عصور تقديس الحاكم، حين كان يُصوَّر الملوك على أنهم أنصاف آلهة، في حين أن ملايين المصريين اليوم لا يجدون ثمن الخبز أو الدواء.
 

تلميع خارجي يخفي الخراب الداخلي
تأتي هذه الخطوة في إطار حملة علاقات عامة ممنهجة لتجميل صورة السيسي في أوروبا. فبينما تُنظَّم فعاليات مصطنعة، وترفع لافتات الدعم في العواصم الغربية، تختفي من الكادر صور المعتقلين والمقهورين في الداخل.
محللون وصفوا المشهد بأنه «تعويم سياسي» مدفوع الثمن، يهدف إلى بيع صورة زائفة للعالم، بينما الواقع يقول إن مصر تحت حكم السيسي تعيش أسوأ أزماتها الاقتصادية والاجتماعية منذ عقود.
 

غضب وسخرية على السوشيال ميديا
تفاعل آلاف المستخدمين عبر مواقع التواصل مع صور التمثال بالسخرية والرفض. كتب أحد النشطاء: «بدل ما يعملوا تمثال دهب، يعملوا مخبز للفقراء اللي جعانين بسببه».

آخرون رأوا أن التمثال يختصر الحالة المصرية الراهنة: حاكم يصنع تمثالاً لنفسه في الخارج، بينما يغرق الداخل في الظلام والديون. واعتبر محللون أن هذا المشهد «يكشف عمق الانفصال بين النظام وشعبه، ويدفن آخر بقايا الحياء السياسي».

ومن جهته علق الناشط أنس حبيب " اصبروا واستحملوا يا مصريين هوا أنا لقيت بلد؟ دا أنا لقيت أي حاجة وقالولي خد ديه! فضيحة النظام العرة الحرامي اللي بيغلي البنزين ويصعب حياة الناس ويجوعهم ويقطع من رواتبهم ويستلف ديون على قفاهم ويروح يصرفها على شوية شحاتين جعانين يطبلوا له ويعر*صوله في أوروبا! عايزين الفيديو ده يروح في كل حتة.. وروه لأصحابكم، أهاليكم، جيرانكم .. وروه للناس الغلابة وعرفوهم حقيقة الحرامي الفاسد ده!".

 

وتساءل صقر العرب " طاب هما ليه متغربين ؟ ما يرجعوا مصر يغرفوا من الانجازات والعزة اللي بيحنوا ليها في المهجر؟".

 

وقال محمد " وجابو الثمثال الذهب منين؟ ولا دة غسيل اموال".

 

وأشار أبو يوسف " اهو العبيط ده عارف ان المعيز دول واخدين فلوس ووجبات عشان يعملوله المسرحية دى".

 

وسخرت الناشطة نسرين نعيم " الحمد لله أنه مطلعش من الصحابه أو الخلفاء الراشدين".

 

وقال حساب مصرية " حبيبتي تعالي هنا و عيشي عيشتنا و أقبضي مرتباتنا و نشوف هتعملي تمثال و لا هتعملي ايه".

 

وأضافت فريدة شعبان " لماذا مجموعة من المصريين المهاجرين او المغتربين بالخارج يدعمون بقاء نظام السيسي؟ شوية فهم اولا المجموعة دى كسبانه من بقاءه من خلال التحويلات فقط ملايين فرق العملة. لما ينزلوا مصر القوة الشرائية تكون كبيرة جدا بيدهم دولارات. أغلبهم تجدهم بالساحل والعلمين أيضا دخلوا فى نطاق طبقة المليونيرات كمان فى مجموعة تانية أبناء الظباط ورجال الاعمال والإعلاميين اللى يدرسوا بره من مصلحتهم بقاء السيسي حتى تكون وظيفتهم فى الحفظ. لان ينتظروا مسابقات وخلافه".

 

اقتصاد منهار وحكم مطلق
في ظل هذا التلميع الزائف، يواصل الاقتصاد المصري انهياره. الديون تجاوزت مئات المليارات، التضخم يلتهم الأجور، والبطالة تتسع يومًا بعد يوم. كل ذلك بينما تُروّج الحكومة لأرقام وهمية عن «النمو» و«الإصلاح».
ويرى خبراء مستقلون أن هذه الحملات الدعائية – ومنها التمثال الذهبي – تهدف إلى صرف الأنظار عن فشل السياسات الاقتصادية وجرّ المجتمع إلى «حالة إنكار جماعي»، تجعل الناس تنشغل بالرموز بدل المطالبة بالحقوق.
 

التمثال ليس ذهبًا… بل مرآة قذرة
التمثال الذهبي الذي أُقيم للسيسي لا يلمع إلا بقدر ما يعكس عتمة الواقع المصري. هو ليس إنجازًا، بل جدارٌ من الوهم والتمويه، يخفي وراءه بلدًا منهكًا، وشعبًا مسحوقًا، ونظامًا يعيش على الدعاية لا على الشرعية.
لقد أرادوا أن يصنعوا تمثالًا «من ذهب»، لكنهم صنعوا في الحقيقة رمزًا من ورق، يلمع للحظة أمام الكاميرات ثم ينهار تحت ثقل الحقيقة: أن الزعيم الذي يُمجَّد في الخارج هو نفسه من أفقر الداخل وأخرس صوته.